ارشيف من :نقاط على الحروف
العمامة الحكيمة في العراق من ثورة العشرين إلى الحشد الشعبي
كان لعلماء الدين المسلمين عامة، والعلماء الشيعة خاصة، الدور الريادي في قيادة الأمة وتوجيهها، في المحطات الهامة والمصيرية من حياتها. ولكي لا نذهب بعيداً في التاريخ، ولأن موضوع هذه المقالة عراقيّ بالخصوص، نعود إلى العام 1920، يوم كان العراق تحت الحكم البريطاني، الذي كان يتدخل في كل شاردة وواردة في البلد، مع اتباع سياسة التفريق بين العراقيين، بين عشيرة وأخرى، وبين مذهب وآخر، محركاً للفتن والنزاعات بين الجميع.
الاحتلال البريطاني هذا جاء تنفيذاً لاتفاق سايكس – بيكو بين الفرنسيين والبريطانيين (1916)، والذي تلته مقررات سان ريمو التي أعلنت في أوربا في 25 نيسان 1920، وقضت بأن يكون العراق وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وسوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
الممارسات البريطانية في العراق، وهي الممارسات المعهودة والمتوقعة من كل محتل لبلد، لم يسكت عليها العراقيون، وأخذت نيران الثورة تتقد شيئاً فشيئاً إلى أن قام البريطانيون في الثلاثين من حزيران 1920 بتوقيف زعيم عشيرة بني حجيم الشيخ شعلان أبو الجون. وكان هذا التوقيف إيذاناً بانطلاق الثورة العراقية الكبرى في كل مناطق العراق.
تمثلت أهداف الثورة في التالي: الاستقلال التام للعراق، والدفاع عن عروبته، وقيام حكم دستوري، ديمقراطي مستقل.
وقد تميزت هذه الثورة بالتنسيق بين المرجعية الدينية والعشائر العراقية، وتأججت نيران الثورة أكثر بعد إصدار آية الله الميرزا محمد تقي الدين الشيرازي فتواه بالجهاد، بعد أن رفض الانكليز إيقاف القتال في مدينة الرميثة، معلناً أن (الواجب الديني يقضي عليّ أن أقوم بهذا العمل [أي الحكم بالجهاد الدفاعي] إن تمّت موازينه).
على أعقاب الفتوى أسس آية الله الشيرازي لقيادة الثورة، كان من بين أعضائه عدد من رجال الدين الأعلام كالشيخ محمد رضا الشيرازي والسيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني والسيد أبي القاسم الكاشاني والشيخ مهدي الخالصي.
لكن هذه الثورة الكبيرة لم تصل إلى نتائجها المتوخاة ولم تحقق أهدافها المنشودة لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذه المقالة.
بعد أقل من قرن بقليل، سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من العراق، ممارساً إرهابه المعهود قتلاً وتدميراً وإحراقاً، فارضاً عقيدته الإجرامية أينما حل، ما دفع المرجع السيد علي السيستاني إلى إصدار فتوى في 13/6/2014 توجب الجهاد الكفائي ضد هذا التنظيم الإرهابي، داعياً العراقيين إلى حمل السلاح وقتال الارهابيين دفاعًا عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، والتطوع للانخراط في القوات الأمنية العراقية.
لبى العراقيون دعوة السيد السيستاني، وسريعاً ما تشكلت المجموعات العسكرية في المدن العراقية، وشكلت هذه المجموعات ما أُطلق عليه بعد ذلك: الحشد الشعب العراقي، الذي تمر اليوم الذكرى الثالثة لتأسيسه، وقد حقق خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب الجيش والقوات العراقية الأخرى، إنجازات عظيمة أدت إلى تحرير مدن ومناطق واسعة من العراق من سلطة تنظيم داعش، وتبقى بعض المساحات القليلة التي يعمل الحشد والجيش على تحريرها.