ارشيف من :آراء وتحليلات
المواجهة الخليجية.. نتيجة مباشرة لصمود سوريا ومحور المقاومة
استعراض سريع لاصطفافات القوى الدولية والإقليمية منذ بداية الحرب على سوريا يظهر، وهذا مؤشر بالغ الأهمية على الهزيمة، مدى عمق الخلافات التي تفاقمت بين أطراف معسكر العدوان على سوريا.
هنالك، كما هو معروف، تحالفات من عشرات الدول تقودها الولايات المتحدة والمملكة السعودية تحت شعارات كاذبة هي محاربة الإرهاب، في حين أن هدفها الحقيقي والمعلن عنه في الأعم الأغلب هو محاربة إيران ومحور المقاومة في المنطقة.
لكن عدداً محدوداً من الدول يقوم بأدوار فاعلة في السعي لإخضاع المنطقة للمشروع الصهيو-أميركي عبر ضرب إيران ومحور المقاومة. وهذه الدول هي بالدرجة الأولى الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وقطر...
ولا جدال في أن جميع هذه الدول كانت، في بداية الحرب على سوريا، تعتمد موقفاً موحداً ينادي بإسقاط النظام السوري وتنحية الرئيس الأسد. وقد عبرت عن هذا الموقف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، عندما طلبت إلى السوريين حمل السلاح من أجل تحقيق ذلك الهدف، في وقت كان السلاح يصل بكميات كبيرة إلى سوريا عبر جميع الأراضي المحيطة بها، من العراق إلى تركيا، مروراُ بالإردن ولبنان والكيان الصهيوني، إضافة إلى الشاطئ السوري. كما عبرت عنه مواقف الدعم المتعدد الوجوه من واشنطن للجماعات الإرهابية في سوريا.
وبعد الولايات المتحدة، تحولت الأراضي التركية المحاذية لسوريا إلى قواعد ومعسكرات تدريب للجهاديين القادمين من مختلف بلدان العالم للقتال في سوريا. كما تحولت فنادق اسطنبول وأنقرة إلى مقرات دائمة لمن تعينهم وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية ممثلين لما يسمى بالمعارضات السورية. ولم تتردد السلطات التركية في تكليف الجماعات الإرهابية المرتبطة بها بسرقة كل ما يقع تحت يديها من ثروات في شمال سوريا، كالنفط والمعدات والمنتجات الصناعية في تلك المناطق.
أما السعودية وقطر والعديد من بلدان الخليج الأخرى فتكفلت باستخدام قدراتها المالية في اجتذاب أصناف المرتزقة، كما قامت بتعبئة أجهزتها الإعلامية وما تمتلكه من أدوات الإثارة والتحريض المذهبيين في خدمة مشروع إسقاط سوريا.
لكن وحدة الهدف، لم تحل دون دخول أعداء سوريا في خلافات فيما بينهم. أما العوامل المفجرة لهذه الخلافات فتتمحور حول صمود سوريا وحلفائها وما حققوه من انتصارات ميدانية مفصلية متتالية من القصير إلى حمص وحلب، إضافة إلى الانتصارات التي تم تحقيقها على المستويات الديبلوماسية.
ولعل أهم تلك الانتصارت وأبرزها تلك التي تحققت على مستوى المصالحات التي عكست مدى حرص السوريين على العودة ببلدهم إلى أجواء التكاتف والأخوة التي كانت سائدة قبل الحرب، وهي الأجوار التي كانت تجعل من سوريا واحدة من أهم بلدان العالم استقراراً على جميع الصعد، ومنها صعيد الأمن والأمن الغذائي والمعيشي.
ودون النظر في تسلسل الأحداث التي عكست الخلافات بين أطراف العدوان على سوريا، يمكن لنظرة سريعة على واقع هذه الخلافات كما تطرح نفسها اليوم أن تبين مدى عمقها، وبالتالي مدى دلالتها على مرارة الهزيمة التي بدأت تحيق بأعداء سوريا.
الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، وكل منهما عضو أساسي في حلف الناتو، بلغ حداً من الخطورة جعل تركيا مرشحة لأن تتحول إلى حليف لروسيا المنافس الدولي الرئيسي للولايات المتحدة على المستوى العالمي، مع ما في ذلك من فتح أفق نحو انقلابات جذرية في العلاقات والتحالفات الإقليمية والدولية.
ورغم الانصياع السعودي غير المشروط للسياسات الأميركية، لم تتوقف واشنطن منذ بداية علاقاتها مع الرياض، واتفاقيات كوينسي الشهيرة، عن التعامل الاستعلائي والابتزازي مع السعودية. وذلك من خلال إجبارها بشكل دائم على كسر أسعار النفط وتعويم المصارف الأميركية المفلسة، ومن خلال قانون جاستا الذي يتهم آل سعود بالوقوف وراء هجمات 11/9، ومن خلال زيارة ترامب الأخيرة التي تكللت بعودته محملاً بـ "غنائم سلم" بلغت حدود الـ 500 ميار دولار. وقد بلغ احتقار ترامب للسعودية حداً جعله يطلق عليها اسم "البقرة الحلوب"، دون أن ينبس آل سعود بكلمة دفاعاً عن كرامتهم المهدورة أميركيا بهذا الشكل وغيره من الأشكال.
وهنالك، أخيراً وليس آخراً، الخلاف السعودي-القطري، المفتوح ليس فقط على مواجهة مسلحة بين البلدين، بل بين قطر وكامل التحالف الخليجي والعربي، مع قابلية للتوسع إلى مواجهة إقليمية، بين أطراف العدوان على سوريا، يبدو أن تركيا قد بدأت باتخاذ خطوات عملية باتجاهها.
قد تعود المياه إلى مجاريها بين قطر وشقيقاتها الخليجيات. لكن المشكلة ستظل قائمة، طلما أن سوريا تنتقل من انتصار إلى انتصار، وطالما أن اليمن قد تحول إلى فييتنام لكل من السعودية والإمارات، وطالما أن إحساس آل سعود بقرب النهاية يفتح شهيتهم بشكل مضحك على حلم طفولي وطفيلي بـ "توحيد" كامل شبه جزيرة العرب، بدأً بقطر تحت سيطرتهم. سعي أقل ما يقال فيه أنه دونكيشوتي و آل سعود بالذات هم من سيكونون أول ضحاياه...وكل ذلك واحد من تداعيات فشل المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة بفضل صمود سوريا ومحور المقاومة والتحرر في المنطقة والعالم.