ارشيف من :نقاط على الحروف
غلق منافذ التنفس
أحمد فؤاد (كاتب صحافي عربي من مصر)
تتلهى الحكومة المصرية، برئاسة شريف إسماعيل، في محاولة استنساخ تجارب دولية أثبتت نجاحًا في دول العالم النامي، وتغض الطرف عن اختلاف الظروف والتحديات، والأهم امتلاك الدول التي صعدت بسرعة الصاروخ في العقود الثلاثة الماضية على إرادة حقيقية للعمل والإنجاز.
آخر ما حاولته الحكومة هو تطبيق الشمول المالي، وهو اختصار إجراء مصرفي يعنى بتحويل المعاملات النقدية كافة إلى البنوك، ومحاصرة من يمتلكون سيولة نقدية ضخمة، في سبيل السيطرة على الاقتصاد الموازي، كما تزعم الحكومة.
تخلط الحكومة عامدة بين الاقتصاد الموازي، وهي مجموعة أنشطة مشروعة لا تخضع للاقتصاد الرسمي، ويعتبر الفاقد منها الضرايب والرسوم الحكومية فقط، وبين الاقتصاد الأسود، وهو التجارة بالسلاح والآثار والمخدرات.
الهدف الحكومي هو العوائد، ضرائب الأنشطة الاقتصادية، لكنها تغفل أن الاقتصاد الموازي يمنح ملايين المصريين أنبوب أوكسجين في الظرف الحالي الأصعب على مدى عقود طويلة، عمالة وأصحاب ورش ومصانع وتجار ومتعاملون يهربون من ارتفاع الأسعار لمنتجات محلية أقل جودة وسعرًا.
الاقتصاد الموازي مثل فتحات تنفيس البخار المكتوم في مصر، يمنح فرص الربح الحلال، ويفتح المجالات للترقي المجتمعي، وهو عماد صناعة إن رغبت الحكومة في تشجيع الاستثمار المحلي الصغير، فعلًا لا قولًا، لأن الواقع كشف عن ذهاب مبادرة المركزي لتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وراء غيرها إلى صحراء الفشل الذريع.
النظام المصري في توجهه الاقتصادي يشبه الجابي العثماني، شخصية لا تجيد سوى جمع المال حالا، قصر النظر في وقف إمكانات نمو عدد من الصناعات تزدهر في ورش صغيرة، ويتقن عمالها العمل الفني، الذي فشلت جهود الحكومات المصرية طوال عقود في ترسيخه.
القرارات والسياسات والأهداف الحكومية كلها، لا تعدو أن تكون رهانا على الضياع الكامل، غلق مجالات الحياة أمام قطاع عريض من المصريين، مقابل تحصيل الضرائب التي لا تقوى إلا على البسيط.
ما يخيف المنضوين تحت لواء هذا النوع من النشاط هو الضرائب، فالضرائب في مصر ليس كمثلها شيء، لا يتم تحصيلها من أصحاب السلطة والنفوذ، لا تقترب من البورصة، التي هي نشاط مالي لا يضيف للصناعة أو الزراعة، وتشهد بين الحين والآخر فضائح من العيار الثقيل، مثل أوراق بنما، التي أثيرت خلال العام الماضي.
النظام غير أمين على الوطن، لا هو أمين على القرار الوطنى ولا المستقبل.
نأتي للضلع الثاني من الاقتصاد غير الرسمي، الاقتصاد الأسود، تجارة الآثار والسلاح والمخدرات، وهو ما يفترض بأجهزة الدولة الأمنية الوقوف ضده واعتباره معركة وجود لها، لكن الواقع يقول إن تجارة الآثار والمخدرات لها أيضًا امتداد حكومي أسود. منذ عدة شهور قرأنا خبرًا يفيد بانقلاب سيارة قاض، وكان بداخلها قطع أثرية نادرة، ثم أصدر النائب العام بعد دقائق قرارا بمنع النشر، ولم نسمع بعدها بصدور حكم أو تحقيق، كالعادة في مثل هذه القضايا.
خلط النظام بين نوعي الاقتصاد غير الرسمي بمنحه فرصة إلقاء كرة الفشل بملعب المواطن، النظام غير أمين على الوطن، لا هو أمين على قضايا اليوم ولا يستطيع مد بصره للمستقبلِ، وكل ما يجيده حين تصفعه نتائج سياساته الكارثية هو خلط الأوراق وبعثرتها على نحو طفولي مدمر.