ارشيف من :ترجمات ودراسات
الإرهاب وأبعاده الجيوسياسية
الكاتب : Bill VAN AUKEN
عن موقع le grand soir الالكتروني
14 أيار / يونيو 2017
في حين تقوم وسائل الإعلام بتقديم الإرهاب على أنه تجسيد للشر وعمل من أعمال المجانين، هناك علاقات وأهداف جيوسياسية محددة هي ما يحكم الأعمال الإرهابية.
الهجمة الأخيرة في سلسلة هجمات إرهابية دامية نسبت إلى تنظيم "داعش" نفذت صبيحة يوم الاربعاء في طهران، وأخذت شكل هجمات منسقة استهدفت مجلس الشورى الإيراني ومقام القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية، الإمام الخميني. وعلى الأقل، قتل على إثرها 12 شخصاً وجرح 43.
ردود أفعال حكومة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الغربية على العمليات التي نفذت في طهران جاءت متباينة بشدة عن ردود أفعالها على التفجير الذي نفذ في 22 أيار / مايو في قاعة مانشستر آرينا الذي أوقع 22 قتيلاً، وعلى الهجمات التي نفذت على جسر لندن السبت الماضي وأوقعت تسعة قتلى.
بيت ترامب الأبيض نشر تصريحاً فيه الكثير من التشفي والتبرير لما جرى في طهران: "نشدد على واقع أن البلدان التي ترعى الإرهاب يمكنها أن تكون ضحية للشر الذي تدعمه". وهذا الموقف انعكس من خلال اللامبالاة النسبية التي أبدتها وسائل الإعلام إزاء سقوط الضحايا الإيرانيين. ومن هنا نفهم جيداً أن للإرهاب الذي يستهدف إيران أهدافاً سياسية محددة، وهذه الأهداف هي أهداف الامبريالية الأميركية وحلفائها الإقليميين.
ومن جهته، جاء الرد الإيراني على العمليات الإرهابية بعيداً عن أي لبس، حيث ألقى بالمسؤولية على الولايات المتحدة وحليفها الإقليمي الرئيسي، أي المملكة السعودية. وقد صرحت قيادة الحرس الثوري الإيراني في بيان نشرته الصحافة الإيرانية: "وقع هذا الهجوم الإرهابي بعد أسبوع واحد على اللقاء بين الرئيس الأميركي [دونالد ترامب] والقادة [السعوديين] المتخلفين الذين يدعمون الإرهاب". كما فهم هذا الهجوم في طهران بوصفه عملاً سياسياً تم القيام به بالتعاون مع منفذين تمكن معرفتهم وهم تابعون لدولة والهدف من ذلك هو تحقيق غايات جيوسياسية محددة.
ويمكننا أن نقول الكلام نفسه عن الأعمال الإرهابية السابقة التي نفذت في مانشستر ولندن وكذلك عن تلك التي نفذت في باريس وبروكسيل وأماكن أخرى.
وسائل الإعلام الغربية تتعامل دائماً مع كل واحدة من هذه الفظائع كما ولو أنها ظواهر منفصلة لـ "الشر" أو الحقد الديني، وبالتالي كأعمال لاعقلانية ترتكب من قبل مجانين. أما في الواقع، فإن هذه الأعمال الإرهابية هي جزء من حملة منسقة على المستوى الدولي بغية تحقيق أهداف سياسية محددة.
خلف العنف الذي يمارس في شوارع أوروبا، هنالك العنف الأكبر بكثير والذي يمارس في الشرق الأوسط من قبل الامبرياليات الأميركية والبريطانية والفرنسية التي تعمل بالتنسيق مع الأنظمة البورجوازية اليمينية والقوى الإسلامية التي تقوم تلك الإمبرياليات بإعدادها وتمويلها وتسليحها.
إن تنظيم "داعش" هو نتاج مباشر لسلسلة من الحروب الامبريالية. وقد انبثق عن انشقاق في تنظيم القاعدة بدأ خلال الحرب التي قادتها وكالة الاستخبارات الأميركية ونفذها أصوليون إسلاميون ضد الحكومة المدعومة من قبل السوفيات في أفغانستان. ثم تم بناء التنظيم خلال العدوان الأميركي على العراق الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من مليون عراقي، قبل أن يتم استخدامه في الحرب التي نشبت عام 2011 بهدف إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي. وبعد ذلك، جرى، بمساعدة من الاستخبارات الأميركية، توجيه المقاتلين والأسلحة نحو سوريا بهدف إسقاط نظام الحكم فيها.
دورة العنف الأخيرة نشأت عن عدم الرضا المتزايد عند حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والقوى الأصولية المسلحة العاملة في خدمة هؤلاء الحلفاء إزاء بطء التدخل الأميركي في سوريا وعجز واشنطن عن تحقييق نصر يؤدي إلى تغيير النظام في سوريا، وذلك بعد ست سنوات من الحرب.
الذين أصدروا الأوامر بشن هذه الهجمات يعيشون في أحياء راقية في لندن وباريس وغيرهما، ويستفيدون من علاقات وثيقة مع وكالات الاستخبارات والمسؤولين الحكوميين. وبعيداً عن أن يكونوا غير معروفين، فإننا كنا سنجدهم بين الوزراء الرئيسيين والمسؤولين الحكوميين في دمشق فيما لو تمكنت الحرب المدعومة أميركياً من تحقيق أهدافها.
أما الذين يرتكبون الفظائع الإرهابية فإنهم عناصر وجنود مشاة تتم التضحية بهم واستبدالهم بمنتهى السهولة بعناصر ينتمون إلى الجماهير الغفيرة التي تتألم بفعل المجازر التي ترتكبها الإمبريالية في الشرق الأوسط.
وتقوم وسائل الإعلام على الدوام بتقديم عجز قوى الأمن عن منع حدوث الهجمات على أنه نتيجة لعدم معرفة كيفية "إقامة الاتصال" بين مختلف المعلومات، وهي عبارة لا بد وأنها قد أصبحت ممنوعة على الدوام. وفي جميع الحالات، فإن الأشخاص المعنيين يكونون معروفين من قبل السلطات.
مدهشة فعلاً هي عناصر الاتصال في الهجمات الأخيرة التي نفذت في بريطانيا حتى مع الأخذ بعين الاعتبار للوقائع المشابهة التي ظهرت في أعمال إرهابية سابقة. فأحد المهاجمين في المجزرة التي ارتكبت على جسر لندن، وهو يوسف زغب، جرى توقيفه في مطار إيطالي أثناء محاولته التوجه إلى سوريا. وقد اعترف بمحض إرادته انه "كان يريد أن يصبح إرهابياً"، كما كان يحمل منشورات لداعش. مهاجم آخر تم تقديمه في وثائقي بريطاني متلفز وهو يروي كيفية استجوابه واحتجازه من قبل الشرطة بعد أن رفع علماً لداعش في ريجنتس بارك بلندن.
أما سلمان العبيدي، الانتحاري الذي نفذ عملية مانشستر، فكان معروفاً أيضاً من السلطات البريطانية. أفراد أسرته كانوا أعضاء في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وسمح لهم بالعودة إلى ليبيا عام 2011 ليشاركوا في عملية تغيير نظام القذافي من قبل الولايات المتحدة والناتو. وقد التقى هو نفسه بعناصر من داعش في ليبيا وهم مقاتلون قدامى شاركوا في الحرب على سوريا، وأقام علاقات وثيقة معهم عندما انتقل إلى مانشستر.
من الواضح، بعد مرور 16 عاماً على إطلاق الحرب المزعومة على الإرهاب والتي بدأت مع عملية اختطاف الطائرات في 11 أيلول / سبتمبر، من الواضح أن هؤلاء المقاتلين يدخلون إلى الشرق الأوسط ويخرجون منه ومن أوروبا، وحتى من الولايات المتحدة، ليس فقط دون الاصطدام بأية عوائق، بل أيضاً تحت حماية أجهزة رسمية.
وعندما يصلون إلى حيث تتم مراقبة جوازات السفر، تظهر أسماؤهم مع معلومات دقيقة تفيد بضرورة عدم توقيفهم. وهناك يقال لهم "أهلاً بك عندنا أيها السيد، هل تستمتع بقضاء عطلتك في ليبيا ؟"، أو "تأتي إلى سوريا للسياحة ؟".
لماذا يستفيدون من هذه الحفاوة؟ لأنهم تابعون لأجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية، مقاتلون بالوكالة وضروريون للحروب الهادفة إلى تغيير الأنظمة في سوريا وليبيا وغيرها من الحروب التي تشن خدمة للمصالح الإمبريالية.
وعندما يحدث، بين حين وآخر، أن تنقلب هذه العناصر على من يحركونها، أو أن يدفع مدنيون أبرياء حياتهم بفعل أنشطة تلك العناصر، فإن ذلك ينظر إليه بوصفه الثمن الذي لا بد من دفعه من أجل حسن سير الأعمال.
وغداة الهجمات الإرهابية، ترد الحكومات المعنية بإجراءات قمعية وعمليات مراقبة مشددة. ويتم نشر الجيش في الشوارع، كما يتم تعليق الحقوق الديموقراطية، ويصبح قانون الطوارئ -كما في فرنسا- قانوناً أساسياً للبلاد. لكن جميع هذه الإجراءات تظل بلا فائدة لجهة الوقاية من هجمات مستقبلية، بينما هي بالغة الفاعلية لجهة مراقبة السكان وقمع التحركات الاجتماعية داخل البلاد.
وإذا كانت وسائل الإعلام ترفض الاعتراف بما أصبح مؤكداً بعد أكثر من 15 عاماً على هذه الأحداث، فإن ذلك يعطي فكرة عن مدى المأسسة الذي وصلت إليه العلاقات بين الإرهاب ووكالات الاستخبارات الغربية والحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.
إن الرجال والنساء والأطفال الأبرياء سواء كانوا في لندن أو مانشستر أو باريس أو طهران أو بغداد أو كابول هم من يدفعون الثمن الرهيب لهذه العمليات الامبريالية التي تترك خلفها دماء ودماراً في كل مكان.
إن وضع حد أمام الهجمات الإرهابية يبدأ بالنضال من أجل وضع حد أمام الحرب المزعومة على الإرهاب، أي أمام هذه الحجة الكاذبة التي تستخدم من أجل الحروب الكاسرة التي يشنها تنظيم القاعدة وفروعه العاملة كقوى بالوكالة على الأرض تعمل من خلال التنسيق الوثيق مع وكالات الاستخبارات والقيادات العسكرية الإمبريالية.