ارشيف من :نقاط على الحروف
تيران وصنافير.. بنية كامب ديفيد تحكم
محمود عبدالحكيم (*)
النتيجة الطبيعية لمنظومة كامب ديفيد الوصول إلى تصور أن النظام يمكنه أن يتخلص من مسؤولية سيناء بتمويل سعودي، (تيران وصنافير وبرنامج الملك سلمان لتنمية سيناء)، وعمله على الصيغة الجديدة الموضوعة أمريكياً والمتفق عليها باستخدام أموال آل سعود في "تصفية" كل بؤر الصراع و"الإرهاب" لصالح تسييد طرفين إقليميين بصفتهم الاداتين الأكبر والأكثر وظيفية وفاعلية لقوى الهيمنة: السعودي والصهيوني، وبذلك يلتحق النظام بالقوّتين بصفة خادم تابع يعاني من الإفلاس ويبيع دوره في الداخل والخارج (وبينهما علاقة عضوية)، كما تفعل أشكاله المتنوعة منذ أن أصبحت كامب ديفيد المصدر الرئيس للسياسات والتشريع والاقتصاد والتخطيط.
ثمة تصور عام لدى النظام أن الإفلاس المالي مضافا إليه ضعف الدولة سببان كافيا جدا للمزيد من التفريط والركوع، وليسا نتيجة منطقية لسياق التفريط والانحطاط، الذي بدأ من كامب ديفيد وشمل الخصخصة وتسليم الاقتصاد لصندوق النقد ودائرة الديون وانسحاب الدولة من أدوارها الأساسية في مجتمع متخلف اقتصاديا، وصولا إلى تسليم أمنه القومي كاملا إلى الكفيل الذي يفترض فيه القوة وهو ضعيف ومتراجع في الحقيقة، بمعنى آخر فالنظام يتعامل مع الأزمة الموضوعية للقيود الأمريكية بالمزيد منها، بعد أن كفل الزمن علاقة عضوية بينه وبين تلك المنظومة التي أصبحت مصدراً لشرعيته، التي يكتسبها من الخارج أكثر من اكتسابه لها من الناس المصريين في الوطن.
كان طبيعياً أن يكفل النمط الحالي للاقتصاد المصري تسليم الافق الاستراتيجي للوطن ودوره في الداخل والخارج في ظل جفاف الموارد الريعية في مقابل التوكيلات الأجنبية مهولة التحكم في السوق ونزح الأرباح، فأصبحت الطبقة الحاكمة محض موظّف يلغي بنفسه الافق الخاص به، وبصرف النظر أصلاً عن مصالح "بلد" لها شعب يجب صيانة - فضلاً عن تعظيم - مصالحه، فانحصر دور تلك الطبقة في الاقتصاد أولاً على تشغيلات سمسرة بين الأجنبي غربياً أو سعودياً وبين موارد الوطن المصري ووضع سوقه، وفي هذا النمط من التشوه بالنهب الخارجي كفّت شرائح الطبقة الحاكمة عن الدفاع عن مصالحها هي أساساً لصالح منظومة النهب التي تتغذى تلك الشرائح عليها بشكل محدود، مكتفية ًبمحدودية دورها ومكاسبها في مقابل الوكلاء الاستعماريين النفطيين حيث عوائد ريعية أكبر كثيراً، مع انفجار سكاني مصري وبنية للتخلف والتراجع امتد عمرها لسنوات طويلة في إطار الوكالة للأمريكي قبل السعودي، فأفضى المسار الطبيعي لجدلية الثروة والحكم - الاقتصاد والسياسة تلك إلى التحاق النظام بوكيل (أي آل سعود) وليس بأصيل، وبسقف أكثر انخفاضاً من الالتحاق بالوكيل.
من ناحية اخرى، أولوية الجيش منذ عشرات السنين هي الحفاظ على مصدر تسليح محدود وضئيل وخاضع، المعونة الأمريكية، وصولا إلى تحوله إلى جيش مكافحة إرهاب على المقياس الأمريكي، ودفع العقيدة العسكرية له إلى وضع قطر وتركيا وإيران في موقع العدو بدلا من الكيان الصهيوني، وهو تحول يتجاوز الحد الأدنى من الفهم والعقلانية الذي تم الحفاظ عليه حتى في ظل منظومة كامب ديفيد.
(*) صحافي مصري