ارشيف من :آراء وتحليلات

فتحي يكن: داعية الوحدة والمقاومة وفلسطين

فتحي يكن: داعية الوحدة والمقاومة وفلسطين

محمد مهدي شريعتمدار(*)
في رحاب العشر الأواخر من شهر اللقاء والقرب الإلهي، وعشية يوم القدس العالمي الذي اعلنه الإمام الخميني الراحل رضوان الله تعالى عليه يوماً للإسلام، نحيي ذكرى المفكر الإسلامي الكبير العلامة الراحل فتحي يكن من مؤسسي الجماعة الإسلامية وأمينها العام الأسبق ومؤسس جبهة العمل الإسلامي، وذلك بحضور ثلة من العلماء والنخب والمجاهدين.

استذكر أنني وكثيراً سن البناء جيلي عرفناه في إيران منذ بدأت نهضة الإمام الخميني الراحل (رض) في مواجهة الاستبداد والاستعمار والتطلع إلى التحرر والاستقلال وأسلمة المجتمع والحكم، قرأناه هو وسيد قطب ومالك بن نبي والمودودي وآخرين كما قرأنا العلامة الطباطبائي والدكتور علي شریعتی والشهيدين مرتضى مطهري ومحمد باقر الصدر وبالمناسبة أقول أن الكثير من كتبه ترجمت الى الفارسية ونشرت في إيران حتى قبل قبل انتصار الثورة الإسلامية.

فكثير هم القادة والعلماء والدعاة، لكن القليل منهم يعيش اللحظات التاريخية الحاسمة ليجعل منها منطلقاُ ومنعطقاً في مسيرته الدعوية والإصلاحية والجهادية، تلك اللحظات التي لا تبني الإنسان فحسب، وإنما تصنع التاريخ.

فتحي يكن عاش لحظات تاريخية حاسمة غيرت مسار تاريخ حياته وجماعته ومجتمعه، وتركت آثارها على حركة الأمة.

فتحي يكن: داعية الوحدة والمقاومة وفلسطينربما تكون اللحظة الأولى في انخراطه في العمل الإسلامي الدعوي، وهو الذي وقف حياته للكتابة عن الدعوة: "مشكلات الدعوة والداعية"، وكيف تدعو إلى الإسلام"، و"ماذا يعني انتمائي للإسلام" و"الاستيعاب في حياة الدعوة والدعاة "، و"المتساقطون على طريق الدعوة"(1)، وغيرها كلها من نتاجات هذه اللحظة التاريخية.

واللحظة التاريخية الثانية هي حينما قرر أن يكون مع حركة الصحوة في الأمة، وأن يتجه ويوجه: " نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر"، و"نحو حركة إسلامية عالمية واحدة "، وأن يرسم ويخط بمسيرته "أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي"(2).

لقاؤه بالمجاهد الشهيد مجتبى نواب صفوي قد يشكل جزء من هذه اللحظة التاريخية جعله يتجاوز كل الفوارق المذهبية والقومية ليؤكد مبدأ الوحدة الإسلامية، وهو الذي بقي يتذكر دائماً ذلك اللقاء، وقد تحدث عنه بعد مضي أعوام معبراً عن أن نواب لم يقيد نفسه ضمن حدود إيران، بل اهتم بكل المسلمين في أنحاء العالم كافة، كما ويروي قصة سهرته معه في مؤتمر إسلامي فى دمشق، وتحركه ـ أي نواب ـ الذهاب مع خمسة آلاف مقاتل من إيران لفلسطين أيام ما قبل النكبة إلأ أن ممانعة النظام الملكي آنذاك
في إيران، وقبول وقف إطلاق النار وتقسيم فلسطين من قبل العرب، فوتا هذه الفرصة المعبرّة.

اللحظة التاريخية الثالثة قد تكون في تأييده لحركة الإمام الخميني، وهو القارى البارع لفكر الإسلام وخطابه حينما يتحدث عن أبعاد هذا الخطاب: عالمية المشروع الإسلامي، ومواجهة الطواغيت، وضرورة إيجاد الحكم الإسلامي، والقيم الروحية التي يتحلى بها القائد والحاكم المسلم، مشخصاً بكل دقة التحديات الفكرية التي واجهها الإمام من المعسكرين الليبرالي الغربي والراديكالي الشرقي، وقبلهما من الداخل الإسلامي.

واللحظة التاريخية الرابعة كانت عندما قرر تأسيس جبهة العمل الإسلامي ليفصل بين رؤيتين في العمل الحركي الإسلامي داعياً إلى التغيير، محدداً "المناهج التغييرية الإسلامية" ومؤكداً "دور الشباب والتغيير"(3).

فتحي يكن: داعية الوحدة والمقاومة وفلسطينولقد توج مسيرته بصلاته الشهيرة في أواخر حياته، ليكون مع الوحدة، ومع المقاومة، ومع فلسطين، ومعروفة مواقفه في الدفاع عن فلسطين والانتفاضة والقدس والأقصى وغزة هاشم، وعن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

فتحي يكن كان دائماً الداعية الذي وقف مع الصحوة والثورة والوحدة والمقاومة والقضية المركزية للأمة، وهذه المفاهيم هي الفيصل بين ما عبر عنه الإمام الخميني بالإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي.

ولعل وصف الإمام القائد له يشير إلى ذلك، فهو على حد تعبيره ـ حفظه الله ـ أسوة في الصمود والمقاومة دفاعاً عن الحق، ومن عظماء العلم والجهاد والتضحية لخدمة الأمة والدين المبين، ومن كبار المجاهدين في سبيل الوحدة والتقريب والصحوة والدفاع من موقع الوعي والصبر عن المقاومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية في إيران. وهو الإمام القائد الذي من أهم مميزاته متابعته وقراءته الدقيقة للحركة الإسلامية في جميع مراحلها ومحطاتها وتقديم الدعم لها، ودفاعه عن فلسطين قضية وأرضاً وشعباً وتأكيده الحل النهائي الوحيد بمواصلة الجهاد حتى تحريرها من النهر إلى البحر، وتأسيس الدولة المستقلة الموحدة فيها وعاصمتها القدس الشريف.

في ذكرى وفاته، وبمناسبة إحياء يوم القدس العالمي، نؤكد أن فتحي يكن سيبقى شامخاً في فضاء الفكر الإسلامي والدعوة والمقاومة والوحدة والدفاع عن القدس، وجيلنا مدين لهذه القامات الرفيعة التي نسأل الله أن يعوض عن خسارتها بوجود علماء ومفكرين يساهمون في بناء الحضارة الإسلامية المجيدة.

طولی له، ولکل مفکر و مقاوم، ولکل سانر علی نهج الامام الراحل و سنبقی علی العهد معه، ومع قادتنا وشهدائنا، وستكون روحه حاضرة بعد تحرير فلسطين بإذن الله، ليعيد الصلاة في القدس والأقصى إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

(1) و(2) و(3) من عناوين كتبه رحمه الله
(*) المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان

2017-06-24