ارشيف من :آراء وتحليلات

في ضوء مواقف ليبرمان: اسرائيل مردوعة..

في ضوء مواقف ليبرمان: اسرائيل مردوعة..

تعمّد وزير الامن الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، أن يكون صريحاً ومباشرا في التعبير عن خيارات "اسرائيل" العملانية ازاء ساحات المواجهة في الشمال والجنوب، وأكد أمام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، "سأجعل الأمر واضحًا، مرّةً أخرى، لسنا بصدد المبادرة لعمل عسكري لا في الشمال ولا في الجنوب".

في ضوء مواقف ليبرمان: اسرائيل مردوعة..
برز حرص لدى ليبرمان أن "اسرائيل" ليست بوارد المبادرة الى عمل عسكري في الشمال مع حزب الله



لدى التدقيق في هذا الموقف، يمكن ملاحظة ثلاثة عناوين، تتصل بهذا الموقف، منها ما يتصل بهوية المتكلم، ومناسبته ومضمونه.
على مستوى هوية المسؤول عن اطلاق هذه المواقف، والدلالات التي تنطوي عليها، الشخصية الأكثر تعبيرا عن التوجه الامني الاسرائيلي، بعد رئيس الوزراء (نتنياهو) هو وزير الامن. وبالتالي نحن أمام موقف رسمي ورد على لسان شخصية رسمية وفي محفل رسمي. ومن المؤكد انه لم يكن نتيجة سؤال عابر، أو ردة فعل على قضية تمت إثارتها، بل هو حصيلة تقديرات أجرتها الاجهزة الامنية الاسرائيلية، سبق أن درستها وناقشتها مرات عدة خاصة وان الساحتين ذاتي الصلة هما الاكثر حضورا في وعي وحسابات صناع القرار الامني.
ما يعزز خصوصية هذا الموقف، هو شخصية ليبرمان نفسها، التي تتسم بطابع التهور في المواقف، والمعروف عنها ايضا التشدد المبني على رؤية محدَّدة. وتنص هذه الرؤية على أن "اسرائيل" تحتاج الى تعزيز صورتها كدولة متوثبة لا تتردد في مهاجمة اعدائها.. وهي بذلك تهدف الى تعزيز قوة ردعها لحماية أمنها القومي. وينطلق هذا الايقاع في المواقف، من مفهوم مفاده أن "اسرائيل" دولة منبوذة من محيطها وأي "تخيل" أنها دولة ضعيفة سيؤدي الى أن تتجرأ عليها الشعوب العربية عامة، والشعب الفلسطيني خاصة لتحرير فلسطين..
لذلك فإن المواقف المتطرفة التي عادة ما تصدر عن ليبرمان وغيره من القيادات الاسرائيلية ليست مواقف انفعالية أو تعبيرا عن حالة نفسية لهذا المسؤول أو ذاك، بل هي تعبير عن خيار مدروس وهادف يستند الى وقائع وقراءة وتقدير. وعلى ذلك، قد تتفاوت الشخصيات في مستوى تشددها ومنسوب تهديداتها وآرائها العدوانية.
مع كل ذلك، برز حرص جلي لدى ليبرمان أن "اسرائيل" ليست بوارد المبادرة الى عمل عسكري في الشمال مع حزب الله، أو في الجنوب مع قطاع غزة.
على مستوى المناسبة، يلاحظ أن هذا الموقف ورد أمام لجنة الخارجية والامن، وهو ما يضفي عليه مزيدا من الجدية والخصوصية. ومن الجدير الاشارة الى أن لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، يمثل أمامها كبار المسؤولين السياسيين والامنيين، ويقدمون أمامها تقاريرهم ذات الصلة. وعادة ما تكون جلساتها وما يرد فيها سريا، إلا ما يتسرب أو يتم تعمد تسريبه..
على هذه الخلفية، فإن موقف ليبرمان كان جزءا من عرض خيارات المؤسسة السياسية والامنية التي عادة ما تناقش الوضع الامني والاستراتيجي لـ"اسرائيل" وتناقش الخيارات التي تنتهجها القيادتان السياسية والعسكرية.
على مستوى المضمون، لم يتبلور الاعلان الرسمي الاسرائيلي بالامتناع عن المبادرة لخيارات عسكرية واسعة، بشكل تلقائي، أو نتيجة عدم وجود مصلحة مُحدَّدة من وراء ذلك، بل هو  ما خلصت اليه الاجهزة الامنية والعسكرية، على قاعدة دراسة الكلفة والجدوى لدى خياراتها العسكرية.. وفي كل الاحوال، الهدوء الذي شهدته الحدود اللبنانية منذ ما بعد حرب العام 2006، يؤكد المفهوم الذي أدلى به ليبرمان.
مع ذلك، لا يعني ما تقدم أن المقاومة يمكن أن تركن وتطمئن الى هذه المواقف وغيرها. بل لا يمكن تصور أن "اسرائيل" عزفت كليا عن محاولة تنفيذ اعتداءات لاحقة.. خاصة وأن المردوعية الاسرائيلية هي نتيجة جهوزية المقاومة وتوثبها لمواجهة أي عدوان اسرائيلي..  وعادة ما تتأثر هذه العوامل بالرهانات التي قد تكون خاطئة، في ضوء التطورات المجريات السياسية والميدانية.
على هذه الخلفية، من الطبيعي أن نشهد استنجادا اسرائيليا بالولايات المتحدة والرهان على خياراتها في الساحة السورية.. وما ذلك إلا نتيجة تسليم وادراك بأن ما يجري في بيئتها الاقليمية، أكبر من قدرة "اسرائيل" على مواجهته بل تحتاج الى دعم وحضور مباشر للولايات المتحدة.

 

2017-06-29