ارشيف من :نقاط على الحروف

شخصية محمد بن سلمان.. متسرّع يخوض الصراعات العبثية

شخصية محمد بن سلمان.. متسرّع يخوض الصراعات العبثية

شكّل تعيين الملك سلمان ابنه محمد ولياً للعهد مكان ابن عمه محمد بن نايف والطريقة التي تمت فيها عملية انتقال المنصب، انعطافة كبيرة على مستوى الشرق الاوسط، رغم ان هذا الامر كان متوقعا منذ فترة، غير ان الطريقة التي تم بها كانت سريعة وصادمة، وانقلاباً على كل عادات وموروثات آل سعود منذ سبعين عاما.
يبلغ محمد بن سلمان 32 عاماً ويعتبر من المبتدئين سياسياً نسبة الى اولاد اعمامه محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله وغيرهم من الجيل الثاني من ال سعود. ويميلون في الغرب الى السخرية من بن سلمان عبر تسميته المحارب الامير، واكتسب سمعة بأنه متهور في استخدام القوة، وقد بدأ حياته السياسية عبر الحرب الوحشية على اليمن قبل عامين دون ان تحقق اي نتيجة تذكر، لذلك فإن السعودية غيرت سياستها التي كانت تتسم بالحذر والبرودة والتي انتهجتها خلال عقود من الزمن لتتحول مع سلمان وابنه الى بلد مجازف يخوض الصراعات العبثية مع كل الجوار المحيط به.

شخصية محمد بن سلمان.. متسرّع يخوض الصراعات العبثية


 
نظراً لعمر الملك سلمان ووضعه الصحي الدقيق، بدأ ولده محمد خلال العامين الأخيرين عملية سيطرة تدريجية على مفاصل القرار المالي والسياسي، والامني والعسكري وصناعة النفط في مملكة آل سعود. وقد انتهت هذه السيطرة الى ازاحة محمد بن نايف الذي كان يشكل العقبة الاولى والاساس امام توليه العرش، بانتظار العمل على الرجل الخطير الثاني وهو متعب بن عبد الله الذي يقود الحرس الوطني القوة العسكرية القوية في السعودية.
هنا في عملية صعود بن سلمان الوقت لا يمكن ان يخدع، شهر واحد بعد زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى السعودية، حان موعد التغيير عبر الضغوط والقوة. لقد اسست زيارة ترامب لهذا الانقلاب الكبير والسريع، واعادة الحياة الى العلاقات الامريكية السعودية بعدما كانت قد دخلت في نوع من الغيبوبة خلال الفترة الثانية من حكم اوباما. وقد استغل محمد بن سلمان وصول ترامب بشكل قوي وعمل سمسار مصالح للامريكي داخل النظام السعودي، ما جعل ترامب ينقلب على ما كان عليه اوباما الذي يرجح كفة الدعم لمحمد بن نايف في الصراع على خلافة سلمان في السعودية.
نسج بن سلمان علاقات شخصية وعائلية مع عائلة ترامب، من الابناء الى الاخوة والاصهر. وقد دعا صهر ترامب اليهودي (جاريد كوشنير) الى بيته الخاص لعشاء عائلي خاص اثناء زيارة ترامب الى السعودية، ومنذ تلك اللحظة اصبحت العلاقات السعودية الامريكية مسألة عائلية خاصة وسرية تعتمد على الربح المتبادل، كما كانت مع عائلة بوش التي حكمت في امريكا مع الاب والابن.

شخصية محمد بن سلمان.. متسرّع يخوض الصراعات العبثية


في سنتين من عمره السياسي ادخل محمد بن سلمان الخليج والعالمين العربي والإسلامي في أزمات وصراعات متعددة ومليئة بالثغرات والخسائر، ولا تتوقف اللائحة عن الاتساع وهي تضم لحد الآن الازمات التالية:
 
1 – الحرب في اليمن
2- الصراع القوي مع قطر
3- التوتر في العلاقات الايرانية السعودية
4- ولادة التحالف السعودي الإسرائيلي
5- القمع في البحرين
6- الحرب في سوريا
7- الوضع المتأزم في غزة وفي لبنان

شخصية محمد بن سلمان.. متسرّع يخوض الصراعات العبثية


في هذا البحر من الازمات والحروب يأتي الدور على مجلس التعاون الخليجي، الذي يترنح على وقع الصراع مع قطر، والتهديدات التي وجهها محمد بن زايد ولي عهد الامارات الى كل من الكويت وعمان، وبن زايد يعتبر الحليف الوثيق لابن سلمان.
ويعتمد بن سلمان في سياسته الهجومية في العالمين العربي والإسلامي على "إسرائيل" التي تنتظر مكافأتها بتطبيع كامل للعلاقات معها، وهذا ما يفك عزلة الكيان الاسرائيلي في المنطقة، وفي الوقت ذاته يصبح للقضية الفلسطينية مفهوم آخر واتجاه مغاير في العالم العربي، وهذا ما يعيه الصهاينة، وهو ما سيعني ان السعودية ستقوم مرة أخرى برمي الفلسطينيين على الطريق. لكن لحكم محمد بن سلمان حسابات مغايرة ستلقي بكامل القضية الفلسطينة في سلة الإهمال العربي إن لم يكن في سلة النسيان الفعلي. يقولون إن ابن سلمان هو رجل متعجل، لديه افكار انقلابية كبيرة، وهو استجلب خبراء غربيين الى جهاز الدولة السعودية لتحقيق نظرته لاقتصاد السعودية عام 2030 كما اعلن، وأيضا لن يترك المؤسسة الدينية السعودية بعيدة عن يديه، لذلك فإن ما ينتظرها هو مستقبل غامض، ويجزم المتابعون أن المؤسسة الدينية الوهابية ستكون ايضا من ضحايا مشاريع ابن سلمان في مرحلة سعيه للصعود الى الملك أو مرحلة تثبيت استقراره.
من بديهيات المشهد السعودي أن عملية صعود محمد بن سلمان كانت من السرعة بحيث يصعب فهم شخصية الرجل، الذي عمل بسرعة، وحاك المكائد بقوة أدت لعزل محمد بن نايف والحلول مكانه، والآن مع بسط يده الفعلية على مكامن السلطة في السعودية، قد تتغير اولوياته. وهنا لا بد من الإشارة الى عملية التقارب التي يقيمها مع روسيا، فضلا عن سعيه لتخفيف اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، وهو كان عراب التفاهم مع روسيا الذي حدد كميات انتاج النفط ووافقت السعودية من خلاله على تراجع انتاجها مقابل زيادة في انتاج ايران للنفط.
كما ان ابن سلمان يعتبر من الزوار الذين يترددون على الكرملين وهو زار بوتين اربع مرات خلال سنتين، أيضا اتت زيارة الملك سلمان للصين والعقود التي ابرمت مع بكين بقيمة 65 مليارد دولار مؤشرا على سعي بن سلمان لتوسيع شبكة علاقات متنوعة، وهو دخل في مفاوضات مع الصين لبناء مصنع للطائرات بدون طيار. أيضا مع موسكو يناقش بن سلمان صفقة بناء مصنع لدبابات تي 80 الروسية في السعودية ويبقى ان نعرف ردة فعل واشنطن وهل ستسمح باتمام الصفقتين ام لا.
من مفارقات بن سلمان أنه قد يكون الوحيد من احفاد عبد العزيز آل سعود الذين لم يدخلوا قط جامعة غربية، وهو لم تكن له اسبقية في السياسة، وكل تاريخه في العمل السياسي كان وجوده مستشارا لوالده في مجلس الوزراء السعودي منذ العام 2007.
في نفس السياق يبدو بن سلمان في حربه ضد اليمن وفي التصعيد الكلامي مع ايران، يماشي تيارا واسعا داخل الطبقة الدينية الوهابية، فهو يسترضي هذه الفئة المتعصبة من ناحية ويريد ابعادها من ناحية أخرى لتأمين حكمه القادم.
كل هذه التنقاضات والازمات انتجها محمد بن سلمان خلال عامين من صعوده، الاندفاعة سريعة وقوية وهذا ما يجعل السقوط صادما وسحيقا الى ابعد حد. إنها سياسة التناقض وفتح الصراعات الخاسرة بمجملها لحد الآن، سياسة السباق مع الوقت التي يتبعها بن سلمان، هي مقامرة كبيرة غير مضمونة النتائج وما زلنا في بداية المسلسل.

 

2017-06-29