ارشيف من :نقاط على الحروف
جامع النوري.. هنا بدأت خرافة داعش وهنا انتهت
في التاسع والعشرين من شهر حزيران-يونيو من عام 2014، أي قبل ثلاثة اعوام بالتحديد، اعلن زعيم تنظيم داعش الارهابي، ابو بكر البغدادي، ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية من على منبر جامع النوري التاريخي الواقع في الجانب الايمن لمدينة الموصل، التي تمثل مركز محافظة نينوى.
مئذنة مسجد النوري قبل هدمها من قبل تنظيم داعش الارهابي
وقد جاء اعلان البغدادي هذا بعد نحو ثلاثة اسابيع من اجتياح التنظيم الارهابي لمدينة الموصل وعدة مدن ومناطق من نينوى ومحافظات اخرى، هي صلاح الدين والانبار وديالى وكركوك، ومناطق مما يطلق عليه حزام بغداد.
ولعل اختيار البغدادي، جامع النوري، ليعلن منه دولة الخلافة المزعومة في ذلك الحين، كان بمثابة رسالة مفادها ان تنظيمه احكم سيطرته وسطوته على حاضر المدينة وتاريخها الديني والثقافي والاجتماعي، وربما لم يدر في خلده، وهو يعيش نشوة الانتصار الوقتي والوهمي ان الامور ستنقلب عليه وعلى تنظيمه رأسا على عقب، وسيقوم ذلك التنظيم بتدمير ذلك الجامع، بعد ثلاثة اعوام، ليعلن هزيمته النهائية والكاملة، والا كيف يقدم على تدمير المكان الذي شهد اعلان "دولة الخلافة" لو لم يكن قد ايقن انه زائل لا محالة؟.
من الناحية الجغرافية، يحظى جامع النوري بأهمية كبيرة، اذ انه يقع في مركز المدينة، وتسمى المنطقة المحيطة به بمحلة الجامع الكبير، وتجاور تلك المنطقة مجموعة من الاحياء السكنية والمراكز التجارية المزدحمة بالسكان، فضلا عن وجود عدد كبير من الدوائر والمؤسسات الحكومية بالقرب منه، وهو ما يعني ان السيطرة عليه تعد بالحسابات المعنوية والنفسية، احكاما للقبضة على مجمل المدينة وهذا ما افترضه تنظيم داعش، وقرر ان يعتلي زعيمه منبر الجامع، بعدما غادرت تشكيلات الجيش والشرطة الحكومية المدينة، وتحولت مباني المؤسسات الحكومية الى اوكار ومقرات لداعش.
مسجد النوري ومئذنته الحدباء.. تحفة فنية وارث ثقافي
اما من الناحية التاريخية، فيحظى الجامع المذكور، بقيمة ومكانة رمزية كبيرة، ويعد ارثا دينيا وثقافيا مميزا، بمنارته التاريخية المعروفة بـ"المنارة الحدباء"، التي منها اكتسبت المدينة تسميتها بـ"الموصل الحدباء".
صورة تاريخية للموصل ومسجد النوري
ويعود تاريخ بناء الجامع الى القرن السادس الهجري، من قبل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي(511هـ-569هـ)، وقد تم ترميمه واعادة تأهيله مرات عديدة، اخرها في عام 1944م-1363هـ.ق.
المنارة الحدباء بعد هدمها من قبل تنظيم داعش
وبينما اقدم تنظيم داعش الارهابي على تدمير العديد من المعالم التاريخية والدينية في محافظة نينوى والمناطق الاخرى التي احتلها خلال الاعوام الثلاثة المنصرمة، ومن بينها مرقد النبي يونس، ومزار النبي داود، ومقام زوجة النبي ايوب، ومرقد الصحابيين اويس القرني وعمار بن ياسر، الا انه حرص على عدم المساس بجامع النوري والمنارة الحدباء، لانهما ارتبطا بولادة دولته المشؤومة، حتى جاء يوم الحادي والعشرين من حزيران-يونيو من هذا العام، أي قبل اسبوع، لتقوم عصابات ذلك التنظيم بتفجير الجامع وتحويله الى انقاض، بعدما ادركت انها لم تعد قادرة على الصمود امام قوات الجيش والشرطة العراقية.
ولا يحتاج المرء الى كثير من الجهد والوقت ليستنتج ان تنظيم داعش بتدميره جامع النوري يكون قد استعجل اعلان هزيمته النهائية في الموصل، في حين ارتأت القيادة العراقية ان لا تعلن النصر الكامل على داعش الا بعد ان تصل قواتها الى الجامع وتطهره من عناصر داعش وتحكم السيطرة عليه بالكامل، وهذا ما تحقق في يوم الخميس، التاسع والعشرين من حزيران-يونيو الجاري.
ويبدو ان القيادة العراقية تعمدت اعلان النصر الكامل في نفس اليوم الذي اعلن فيه زعيم داعش تأسيس ما يسمى بـ"دولة الخلافة الاسلامية" قبل ثلاثة اعوام من على منبر جامع النوري.
وصول القوات العراقية الى مسجد النوري بمثابة الاعلان عن نهاية التنظيم الارهابي
وما ان اعلن النصر الكامل، حتى انتشر شعار "وسقطت_دولة_الخلافة" في مختلف وسائل الاعلام كالنار في الهشيم، وراحت مدن العراق المختلفة تتهيأ لتنظيم الاحتفالات والخروج بمسيرات جماهيرية حاشدة ابتهاجا بهذا الحدث التأريخي الكبير.
الارهابي أبو بكر البغدادي.. من مسجد النوري بدأت خرافته
ويعتبر يوم التاسع والعشرين من حزيران-يونيو 2017، يوما مفصليا، ونقطة تحول شاخصة بين مرحلتين، مرحلة داعش، ومرحلة ما بعد داعش التي تتطلب استكمال مستلزمات النصر، من خلال تطهير ما تبقى من المدن والمناطق التي تتواجد فيها فلول داعش، واعادة اعمار وتأهيل المناطق والمدن المحررة، وتهيئة الظروف لعودة الاف النازحين لبيوتهم، والشروع بتسوية وطنية، سياسية ومجتمعية، تمهد الاجواء لانهاء الخلافات، واحتواء المشاكل والازمات، وتوجيه الاختلافات بما يحول دون الغرق والاستغراق بمشاكل وازمات سياسية وامنية جديدة، والاتجاه لاحداث نهضة اقتصادية تسير بصورة متوازية مع التسوية الوطنية والمصالحة المجتمعية.