ارشيف من :نقاط على الحروف
طواحين جعجع
يفرض العمل السياسي على ممارسه كراً وفراً فكريّين، وهجوماً ودفاعاً وفق واقع الحياة السياسية في بلدٍ ما، ولا يخلو هذا العمل من التدليس والخداع وممارسة الاحتيال، لا سيما في بلد مثل لبنان، ينقسم مواطنوه فيه ويختلفون حول كل شيء، مهما كان هذا الشيء صغيراً أو كبيراً، وحول كل قضية، سواء كانت على مستوى الوطن أو على مستوى حيّ أو حتى على مستوى زاروب.
ومن الاحتيال في العمل السياسي أن ترى أن موقف خصمك موقف صادق وصريح ومصيري لأجل البلد، وتعلم ذلك بينك وبين نفسك، وتقدّر هذا الموقف وتحترمه، حتى وتود لو أنك كنت صاحب هذا الموقف أو لو تستطيع أن تعلن تأييدك له في العلن، لكن حسابات ربحك وخسارتك سياسياً، وما تمتد إليه هذه الحسابات شعبياً وانتخابياً وحزبياً، وما تمتد إليه من رضا أو عدم رضا داعمك وممولك الخارجي، تمنعك من مديح هذا الموقف أو حتى إعلانك رضاك عنه، بل تضطر إلى مهاجمته ومهاجمة صاحبه وحزب صاحبه لو كان لديه حزب، وتتمادى إلى حد الضحك على نفسك وعلى جمهورك في محاولتك النيل من صاحب الموقف.
لا يترك رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع أي مناسبة دون إعلان مواقفه المخالفة – بالتأكيد – لمواقف قيادة حزب الله، وعهدناه متحدثاً بعد كل خطاب لسماحة السيد حسن نصر الله راداً على خطابه ومواقفه، ولو لم يجد فرصة لكلامه وإعلان مواقفه اخترع مناسبة أو مؤتمراً صحافياً أو طلب مقابلة متلفزة لكي يرد من خلالها على سماحة السيد.
وآخر رد لجعجع على السيد كان إعلانه رفضه أن يتولى أحد الدفاع عن لبنان لأن ذلك "مهمة حصرية، وحصرية جداً، وحصرية جداً جداً للدولة اللبنانية وحدها فقط لا غير"، دون أن يطلع علينا بخطته للدفاع عن الوطن، كما فعل سامي الجميل مبتدع استراتيجية "النادور" التي بدأت الكليات العسكرية في بلاد الواق واق تدريسها لطلابها.
سمير جعجع يعلم في داخله، ومصيبةٌ إن لم يكن يعلم، أن الجيش اللبناني وحده يعجز عن حماية البلد، لا لنقص الشجاعة والدافعية والعقيدة القتالية في جنوده وضباطه، وإنما لتقييده بقرارات سياسية في كثير من الأحيان، ولحرمانه، عمداً أحياناً، من العتاد والسلاح المناسبين لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها البلد، لا سيما مخاطر الجماعات الإرهابية.
ويعلم سمير جعجع في داخله أنه لولا دور حزب الله في حماية البلد لكان اليوم مختبئاً في دهليز أو نفق أو لكان في دولة ما، وقد حاصر الإرهابيون واقتحموا قرى نفوذه وغيرها من قرى ومدن لبنان وفي معظم المناطق اللبنانية.
فهل يجرؤ "الحكيم" على النطق علناً بالحقيقة والصواب، في موقف مشرّف واحد قد يتخذه، في سبيل لبنان؟ لكن تصريح جعجع لم يخلُ من الصدق حين قال إن "اللبنانيين استحقوا لبنان لأنهم دافعوا عنه بأنفسهم كل الوقت، وليس لأنهم استقدموا مجموعات من الغرباء من الخارج للدفاع عنه"، لأن "جيش الدفاع الإسرائيلي" حين وصل إلى بيروت لم يكن من هؤلاء "الغرباء" الذي دخلوا لبنان للدفاع عنه، بل دخل للدفاع عن قوات جعجع "اللبنانية".