ارشيف من :آراء وتحليلات

المسألة الكردية الى اين ؟

المسألة الكردية الى اين ؟

يمر إقليم كردستان بمنعطف مصيري ھو الأھم في تاريخه، حيث قررت الأحزاب الكردية إجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال عن العراق، في 25 أيلول المقبل، بھدف تشكيل دولة مستقلة.

المسألة الكردية الى اين ؟
ھل سيمر الاستفتاء الكردي دون حصول تداعيات؟


 القوى السياسية الكردية وجدت أن ظروف العراق المتردية بسبب حربه على تنظيم "داعش"، والضعف الذي يعانيه بسبب المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لتحقيق حلم الدولة الكردية. فالأكراد منذ 1991 تمرنوا على حكم الذات وخبروا معاني المصالح والعلاقات الدولية والإقليمية، ومعاني الانقسام الداخلي والحروب الأھلية، كما فھموا معاني اقتناص الفرص التي قلما تسمح بھا الظروف. هل التمارين القاسية تساعد على نيل الاستقلال الصعب، وإنھاء أوھام "الجمھورية الخالدة"  ام تبدد الاحلام التاريخية ؟ فإما أن تستقل كردستان الآن أو لن تستقل لاحقا، وفق ما يقوله سياسيو الإقليم وحكامه جامعين بين التحذير المبطن والتحفيز العلني لأبناء كردستان.
لكن، ھل ستخدم الظروف الحالية توجه الأكراد نحو بناء دولتھم المستقلة؟ وھل سيمر الاستفتاء بسلاسة ودون حصول تداعيات؟
مسعود بارزاني يعرف أن الاستفتاء لن يؤدي إلى إجراءات فورية، ويدرك أيضا أن إعادة النظر بحدود الخرائط تشكل مجازفة كبرى ما لم تتوافر مظلة دولية ترعى عملية بھذا الحجم ومن ھذا النوع. وھو يعرف أن الدولة الكردية في شمال العراق حلم شبه مستحيل، لكنه ربما يسعى إلى تثبيت "الحق في الاستقلال"، حتى ولو تعذر تحقيقه في المدى القريب.
الغالبية العظمى من سكان الإقليم ترى في الاستقلال استحقاقا إما أن يكون الآن أو لن يكون، ولأجل ذلك جھدت حكومة الإقليم لتوسيع جولاتھا العربية، لا سيما الخليجية منھا، والإقليمية والدولية، بغية إقناع أكبر قدر ممكن من الدول بجدوى استقلال كردستان وجاھزيتھا للتحول إلى دولة مستقلة.
الأمر المؤكد أن الخطوة ستولّد زوبعة سياسية بدأت نذرھا من لحظة الإعلان عن الاستفتاء، فقد حركت دعوة إقليم كردستان إلى استفتاء حول الاستقلال جمر المسألة الكردية. ولئن كانت بعض الدول وافقت على مضض على الضيف الجديد على الأسرة الدولية، فإن دولا أخرى تتحرك بين الموافقة والرفض، لا سيما تركيا وإيران المحتارتين في شأن الجار الجديد وما يستتبعه الاستقلال الكردي ھذا من تأليب محلي يطاول الأكراد في دولتيھما.
-    الحكومة العراقية: عارضت الدعوة، إذ تعتبر أن إجراء استفتاء الآن ليس أمرا صائبا، ولن يكون لا في صالح الأكراد ولا العراق، لأن الحرب لا تزال دائرة، والوضع في المنطقة ليس مستقرا، وتعوّل بغداد على ضغوط تركيا وإيران اللتين تتمسكان بوحدة الأراضي العراقية حفاظا على وحدة أراضيھما. وتراھن على عمق الخلافات بين القوى الكردية التي يمكن أن تقف حائلا دون تحقيق ھذا الحلم.
-    تركيا التي تقيم علاقات جيدة مع رئيس الإقليم مسعود البارزاني، تعارض بشدة أي شكل من أشكال الاستقلال الكردي، محذرة من أن قرار رئاسة إقليم كردستان تنظيم استفتاء حول الاستقلال يشكل خطأ فادحا، إذ تعتبر أن الحفاظ على سيادة الأراضي والوحدة السياسية للعراق ھو أحد أسس السياسة التركية في ما يتعلق بالعراق.
   خبير في الشأن التركي  يرى أن التطورات في المنطقة تتدحرج في اتجاه توسيع حدود الدولة الكردية في شمال العراق، واحتمال توسعھا واتصالھا جغرافيا بالكيان الكردي المتشكل في شمال سوريا، وأن إدارة إقليم كردستان بوارد أن تضم مدينة الموصل ومنطقتھا بعد تحريرھا من "داعش" إلى إقليم كردستان العراق، كما فعل الأخير بضم كركوك ومن بعدھا سنجار بعد تحريرھا.
ويجب ألا يغيب عن البال أن الموصل لا تزال حاضرة في العقل السياسي التركي منذ أن ضُمت رسمياً إلى العراق، وفقاً لاتفاقية عام 1926 بين تركيا والعراق وبريطانيا. والكل يتذكر كيف كانت مسألة الموصل تُنبش من الأرشيف، وتثار على المستوى الشعبي من وقت لآخر كما حصل أثناء حرب الخليج الثانية في عھد الرئيس "العثماني الأول" الراحل طورغوت أوزال، وكما يحصل الآن في عھد الرئيس "العثماني الثاني" رجب طيب أردوغان. ولا يغيب عن بال تركيا ھذا التطلع حيث في ظل الفوضى الشرق أوسطية والحديث عن تغيير الخرائط، فربما تسنح الفرصة وتستطيع أنقرة اقتطاع الموصل ومحيطھا على الأقل لتضمها إلى الجغرافيا التركية. ومع أن ھذا الاستنتاج يبدو للبعض مبالغا فيه، وربما ھو كذلك إلى حد ما، لكن استمرار حضوره في العقل التركي والإعلام التركي يجب ألا يُھمَل من حسابات الآخرين مھما كان ھذا التطلع واھماً على أرض الواقع.
-    إيران ترفض الاستفتاء على استقلال كردستان، معتبرة أن العراق الموحد المستقر الديمقراطي يضمن مصالح جميع أبناء الشعب العراقي من القوميات والمذاھب كافة، وأن إقليم كردستان جزء من جمھورية العراق.
-     الولايات المتحدة حليفة الأكراد التاريخية الثابتة بدلت ولم تبدل في خطابھا. فھي، وعلى رغم تقديرھا التطلعات المشروعة لمواطني كردستان، أكدت أنھا تدعم عراقا موحدا يقوم على النظام الاتحادي، وينعم بالاستقرار والديمقراطية". وتعتقد بأن إجراء الاستفتاء في ھذا الوقت يؤدي إلى صرف الانتباه عن أولويات أكثر إلحاحا مثل ھزيمة تنظيم "داعش". مشجعة السلطات الكردية على الدخول في حوار مع حكومة العراق بشأن القضايا المھمة بما في ذلك مستقبل العلاقات بين بغداد وأربيل على أساس الدستور العراقي.
-     روسيا رفضت الاستفتاء وأعلنت صراحة أنھا مع وحدة واستقرار العراق.
-     ألمانيا حذرت الزعامات الكردية من إجراء الاستفتاء لأنه من طرف واحد وسيؤجج التوترات في المنطقة.
ھذه المواقف السلبية لم يخرقھا، حسب تقارير صحفية، إلا تأييد أربع دول في المنطقة لإجراء استفتاء الاستقلال في كردستان العراق وھي: "إسرائيل"، الإمارات، السعودية والأردن.
في ضوء كل ھذه التعقيدات التي تحيط بظروف الأكراد ومناطقھم في سوريا والعراق، ھل يمكنھم قيادة سفينتھم إلى بر الأمان والتغلب على رياح وعواصف من كل حدب وصوب، أم يصيبھم ما أصاب أسلافھم على مر التاريخ الحديث؟ وھل تفتح نھاية "داعش" في الموصل والرقة جبھة حروب جديدة يكون الأكراد وأحلامھم وقودھا ھذه المرة؟ وھل يمر استحقاق الاستفتاء في كردستان أم يتكفل المتضررون الإقليميون والصراع بين القوى والأحزاب الكردية بتعطيله؟ هذه الأسئلة رهن انقشاع ضباب حربهم ضد "داعش".

2017-07-03