ارشيف من :آراء وتحليلات

اقتصاد الصدمة والترويع

اقتصاد الصدمة والترويع

أحمد فؤاد (*)
لأول مرة دوّت في الشرق الأوسط كلمتا الصدمة والترويع، كانت خلال الحرب الأميركية على العراق، حرب انتهت بتدمير أمّة صاحبة حضارة عتيدة، لصالح صحارى الخليج، وتفكيك البلد لكانتونات سقطت في أول اختبار إرادة أمام جحافل داعش، التي احتلت نصف العراق في ظرف أسابيع.

اقتصاد الصدمة والترويع


مثلت الصدمة والترويع هدما للشخصية العربية، وجعلتاها تنزوي بعيدًا عن الفعل، وحتى مع التحرير العراقي للموصل، بقيت عوامل الضعف موجودة وملموسة، وإن غطتها القدرة المتجددة على الإنجاز في أسوأ الظروف.
دولة عربية أخرى تنتمي لـ"دول الحضارات" هي مصر، تخوض حربًا من نوع آخر، ينطبق عليها مصطلح "الصدمة والترويع".. صدمات فجائية تصيب بها حكومة المهندس شريف إسماعيل الشعب، ونتائج أكثر من مروعة، جعلت من الشارع المصري هادئ الطبع، محلا لجرائم كان يندر تخيلها حتى سنوات مضت.
يقف العجز عن مجابهة التطلعات وراء تدهور أخلاقي بشع ضرب الشخصية المصرية في مقتل. يسعى الإنسان إلى تأمين حاجياته في ظل ظروف صعبة وغير مسبوقة بأي وسيلة، ويطمح للترقي المجتمعي، ولو كان الترقي في "شبه وطن". يستمع ويشاهد المواطن العادي خلال شهر رمضان الكريم الإعلانات عن وحدة سكنية في "كومبوند" سعرها يتعدى الأصفار الستة، بينما يسكن 60% من مواطني العاصمة في مناطق عشوائية.
وعلى الجانب الآخر، تهدد سياسات الحكومة وشروط صندوق النقد الدولي، بإخراج مليون أو أكثر من العاملين بالجهاز الحكومي إلى الشارع، بكل ما تمثله البطالة من قنابل موقوتة على مستقبل البلد، مستقبل لا يراه صانع السياسة في مصر، إلا من خلال تقارير الصندوق وأرقامه التي لا تناسب الواقع في مصر.
يتعامى كل مسؤول حكومي مصري عن حقيقة أن الصندوق فشل تماما في حل أي مأزق للدول التي استعانت به، ماليزيا شاهدة على السقوط الكامل لقدرة صندوق النقد على خداع الحكومات حول العالم، حين فعل "مهاتير محمد" عكس كل ما اقترحه أصحاب الياقات والحلل السوداء اللامعة، نجت بلاده من أزمة النمور الآسيوية في منتصف التسعينيات.
لم تصارح الحكومة المصرية شعبها بحقيقة اتفاقها مع صندوق النقد، لكن كل ما خرجت به الصحف الغربية عن "حزمة شروط" وضعها مديرو الصندوق وتعهدت به الحكومة تحق، "عومت" الحكومة الجنيه ليغرق تماما بصحبته مدخرات الطبقة الوسطى في مصر، ويصل التضخم لأرقام الحرب العالمية الثانية، ورفعت الدعم، ليستعيذ المصري كل يوم من غدٍ يراه بلون الدم والسواد.
لن تقف قرابين الحكومة للصندوق عند هذا الحد، شركات البترول والبنوك ستباع للمستثمرين، بعد قرار تعويم الجنيه، لتصبح أسعارها أرخص بقيمة النصف للمستثمر الأجنبي، مع عدم امتلاك الحكومة لاحتياطات نقدية تساعدها على رفع قيمة الجنيه، وانكشاف لعبة قيامها بطباعة كميات هائلة من النقود للوفاء بفوائد شهادات قناة السويس وعوائد ودائع البنوك، التي تتجاوز فوائدها حاليا 20%.

اقتصاد الصدمة والترويع


ويمضي حال الاقتصاد المصري من سيئ إلى أسوأ، في ظل تصميم الحكومة على تحميل أعباء الإصلاح بالكامل للطبقة الوسطى أو ما دونها، واعتماد تخطيط اقتصادي يراهن على قدرة القطاع الخاص على أخذ مكان القاطرة بالنسبة للاقتصاد ككل، وجره للأمام بمعدلات نمو وتشغيل مرتفعة، وهو ما لم يفعله هذا القطاع منذ اعتماد هذه السياسة في 1974، على يد "السادات".
اللقطة الفارقة والأكثر تعبيراً عن سير حكومة المهندس شريف إسماعيل، في طريق تدمير معنويات شعب يتحمل أزمة اقتصادية لم يصنعها، هو قرار تأجيل ضرائب البورصة، وإقرار رسوم دمغة تبلغ 1 في الألف فقط على تعاملات مليارديرات مصر.
ربما من حق كل رجل أعمال ناجح في العالم أن يحاول استجلاء المستقبل، ليتعامل معه بشكل أفضل وأربح، لكن رجال الأعمال المصريون نجحوا منذ عهد السادات في صنع المستقبل الذي يريدون، بكثير من الإبداع في طرق التحكم بالحكومة والسوق.

(*) صحافي مصري

2017-07-06