ارشيف من :ترجمات ودراسات
تجنيد الأطفال في زمن الحرب: أغراض لا إنسانية وراء قرارات مجلس الأمن الإنسانية
عقيل الشيخ حسين
محبة للأطفال وحرص عليهم أم شكل قديم جديد من النفاق المشهور الذي يتبنى قضية إنسانية كوسيلة مثلى للإساءة إلى تلك القضية بالذات؟
هذا التساؤل يثيره قراران صدرا عن مجلس الأمن بخصوص تجنيد الأطفال من قبل الأطراف المتنازعة في العالم. الأول صدر في العام 2005، تحت الرقم 1622، ووضع آلية لمراقبة المسؤولين عن تجنيد الأطفال والإبلاغ عنهم ومعاقبتهم. أما الثاني الذي يفترض فيه أن يتجاوز الأول من الناحية العملانية، فقد صدر قبل أيام تحت الرقم 1882، وجاء قاصراً وإنشائياً بشكل ملفت، إضافة إلى ما يفوح منه من روائح مشبوهة: فقد أدان المجلس بإجماع أعضائه، وبشدة، كافة انتهاكات القانون الدولي في مجال تجنيد واستغلال الأطفال بواسطة أطراف النزاع في العالم. وقبيل صدور هذا القرار، كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، قد رفع إلى مجلس الأمن قائمة تحمل اسم "قائمة العار" تشتمل على "أطراف" تمارس تجنيد الأطفال. غير أن بعض المشاركين في صنع القرار زايدوا على بان كيمون في إطلاق العنان لمشاعرهم الإنسانية النبيلة، وذهبوا بعيداً في تبني تلك القضية: طلبوا إلى الأمين العام أن يوسع تلك القائمة لتشتمل، إضافة إلى الذين يمارسون التجنيد، كل أولئك الذين يقتلون أويشوهون أو يغتصبون الأطفال أو يمارسون بحقهم صوراً أخرى من العنف الجنسي... في زمن الحرب.
جهد يشكرون عليه بالطبع. ولكن ما ضرهم ـ طالما أن القرار المتخلف عن سابقه لم يتجاوز حدود الإدانة ـ لو أنهم أدانوا جميع الانتهاكات والجرائم المريعة التي ترتكب بحق الأطفال في زمن الحرب وفي غير زمن الحرب، طالما أن الجرائم التي ترتكب بحقهم في زمن السلم ليست مما يحسد عليه ضحايا تلك الجرائم؟
ولا يعفيهم من ذلك وجود أكثر من هيئة دولية تدافع عن حقوق الأطفال في العالم. فلو كانت هنالك أصول إدارية أو قانونية تستوجب الاقتصار على الدفاع عن الأطفال في زمن الحرب، فإن ضحايا أزمنة السلم من الأطفال سيشعرون بانهم ضحايا لتمييز يمارس ضدهم من قبل أعلى هيئة دولية معنية بمحاربة التمييز.
من الواضح أن عدم اشتمال القرار على جميع فئات الأطفال المنتهكة حقوقهم هو محاولة للتجهيل الإعلامي عبر تجنب تسليط الضوء على ما لا يحصى من جرائم ترتكب بحق الأطفال، خصوصاً في العالم المتحضر الذي يملي على مجلس الأمن وغيره من الهيئات الدولية سياسات ظاهرها إنساني وباطنها وحشي، إذا لم نقل بأن وحشيتها تطمو على الظاهر والباطن.
ومن الواضح أن غرض هذه القرارات، كالكثير غيرها من قرارات مجلس الأمن، سياسي ومن النوع الذي يستخدم ما يسمى بالشرعية الدولية كحصان للهيمنة. هنالك حوالي ثمانين منطقة نزاع في العالم كلها في العالم الثالث. وهذه المناطق مستهدفة من قبل أصحاب القرار الدولي. والوسائل ليست قليلة للتدخل في تلك المناطق. لكن حماية الأطفال تسبغ على التدخلات بغرض الهيمنة طابعاً إنسانياً كاذباً سبق أن عرفته الشعوب منذ فجر العصر الاستعماري.
ثم إن تهمة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة هي من قبيل الافتراء ولي ذراع الحقيقة. فقرار مجلس الأمن يعتبر أن الطفل هو الشخص الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. وهذا الاعتبار يتنافى مع أبسط ما تتعارف عليه العلوم الإنسانية والتربوية. فسن الثامنة عشرة كثيراً ما تعتبره تلك العلوم نهاية ما يسمى بفترة المراهقة، على أساس أن المرحلة الأخيرة من الطفولة تنتهي مع البلوغ، أي في حدود سن الثانية عشرة، وهو سن تعترف ثقافات رشيدة عديدة بأنه بداية مرحلة الرجولة.
ونعرف السر في السعي إلى طفلنة الراشدين عندما نعلم أن أكثر من نصف أفراد المجتمع الفلسطيني مثلاً، وهو مجتمع لا يروق ذكره للممسكين بخناق الأسرة الدولية، هم ممن تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة. وهذه الفئة العمرية غالباً ما تعتبر في أدبيات دولية أخرى، فئة شابة واعدة ومفعمة بالحيوية والنشاط والطاقة. أم أن الحيوية والنشاط والطاقة محكوم عليها أن تبعثر في الأنشطة الاستهلاكية والتخبيلية السائدة بدلاً من أن تكون قوة في خدمة التحرر والانعتاق ؟
وحتى لو سلمنا بوجاهة الدفاع عن حقوق الأطفال في زمن الحرب فقط، فلماذا لا نلحظ حمية مجلس الأمن وغيره من المجالس في نصرة أطفال لبنان وغزة وافغانستان وباكستان أمام العدوان الإسرائيلي والأطلسي ؟
ومن المفارقات العجيبة، اننا نجد الدفاع عن الأطفال، من جهة، والدعوة الصريحة إلى التخلص من الأطفال، من جهة ثانية، في سلة واحدة من سلال المنافحين عن حقوق الإنسان. فقد "قررت" بعض الدراسات الصادرة عن إحدى الجامعات الأميركية المرموقة أن الطفل هو عدو مبين للبيئة : كل طفل يولد يتسبب بانبعاث 9441 طن متري من ثاني أوكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى ويسهم باستنزاف الثروة المائية وغيرها، ما يعني أن من الضروري الآن أن يطلق شعار شعار من نوع : يا سكان المعمورة، لا تنجبوا الأطفال، وإن أنجبتموهم عجلوا بقتلهم حفاظاً على البيئة !! والأعجب أن الدراسة نفسها تقر بأن أطفال العالم الثالث يسهمون بدرجة أقل مما يسهم به أطفال المجتمعات الصناعية في تسميم المناخ لأسباب منها انخفاض معدلات الاستهلاك. ما يعني ان نوعية الاستهلاك الذي أنجبته الحضارة الصناعية، لا الأطفال، هي المسؤولة عن الكارثة.
تناقضات أقل ما يقال فيها أنها تكشف ليس فقط عن النفاق الذي تمتهنه الدوائر الممسكة بخناق البشرية، بل أيضاً وخصوصاً عن دخول تلك الدوائر في مرحلة الهذيان المرافقة لحالة الاحتضار.
محبة للأطفال وحرص عليهم أم شكل قديم جديد من النفاق المشهور الذي يتبنى قضية إنسانية كوسيلة مثلى للإساءة إلى تلك القضية بالذات؟
هذا التساؤل يثيره قراران صدرا عن مجلس الأمن بخصوص تجنيد الأطفال من قبل الأطراف المتنازعة في العالم. الأول صدر في العام 2005، تحت الرقم 1622، ووضع آلية لمراقبة المسؤولين عن تجنيد الأطفال والإبلاغ عنهم ومعاقبتهم. أما الثاني الذي يفترض فيه أن يتجاوز الأول من الناحية العملانية، فقد صدر قبل أيام تحت الرقم 1882، وجاء قاصراً وإنشائياً بشكل ملفت، إضافة إلى ما يفوح منه من روائح مشبوهة: فقد أدان المجلس بإجماع أعضائه، وبشدة، كافة انتهاكات القانون الدولي في مجال تجنيد واستغلال الأطفال بواسطة أطراف النزاع في العالم. وقبيل صدور هذا القرار، كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، قد رفع إلى مجلس الأمن قائمة تحمل اسم "قائمة العار" تشتمل على "أطراف" تمارس تجنيد الأطفال. غير أن بعض المشاركين في صنع القرار زايدوا على بان كيمون في إطلاق العنان لمشاعرهم الإنسانية النبيلة، وذهبوا بعيداً في تبني تلك القضية: طلبوا إلى الأمين العام أن يوسع تلك القائمة لتشتمل، إضافة إلى الذين يمارسون التجنيد، كل أولئك الذين يقتلون أويشوهون أو يغتصبون الأطفال أو يمارسون بحقهم صوراً أخرى من العنف الجنسي... في زمن الحرب.
جهد يشكرون عليه بالطبع. ولكن ما ضرهم ـ طالما أن القرار المتخلف عن سابقه لم يتجاوز حدود الإدانة ـ لو أنهم أدانوا جميع الانتهاكات والجرائم المريعة التي ترتكب بحق الأطفال في زمن الحرب وفي غير زمن الحرب، طالما أن الجرائم التي ترتكب بحقهم في زمن السلم ليست مما يحسد عليه ضحايا تلك الجرائم؟
ولا يعفيهم من ذلك وجود أكثر من هيئة دولية تدافع عن حقوق الأطفال في العالم. فلو كانت هنالك أصول إدارية أو قانونية تستوجب الاقتصار على الدفاع عن الأطفال في زمن الحرب، فإن ضحايا أزمنة السلم من الأطفال سيشعرون بانهم ضحايا لتمييز يمارس ضدهم من قبل أعلى هيئة دولية معنية بمحاربة التمييز.
من الواضح أن عدم اشتمال القرار على جميع فئات الأطفال المنتهكة حقوقهم هو محاولة للتجهيل الإعلامي عبر تجنب تسليط الضوء على ما لا يحصى من جرائم ترتكب بحق الأطفال، خصوصاً في العالم المتحضر الذي يملي على مجلس الأمن وغيره من الهيئات الدولية سياسات ظاهرها إنساني وباطنها وحشي، إذا لم نقل بأن وحشيتها تطمو على الظاهر والباطن.
ومن الواضح أن غرض هذه القرارات، كالكثير غيرها من قرارات مجلس الأمن، سياسي ومن النوع الذي يستخدم ما يسمى بالشرعية الدولية كحصان للهيمنة. هنالك حوالي ثمانين منطقة نزاع في العالم كلها في العالم الثالث. وهذه المناطق مستهدفة من قبل أصحاب القرار الدولي. والوسائل ليست قليلة للتدخل في تلك المناطق. لكن حماية الأطفال تسبغ على التدخلات بغرض الهيمنة طابعاً إنسانياً كاذباً سبق أن عرفته الشعوب منذ فجر العصر الاستعماري.
ثم إن تهمة تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة هي من قبيل الافتراء ولي ذراع الحقيقة. فقرار مجلس الأمن يعتبر أن الطفل هو الشخص الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره. وهذا الاعتبار يتنافى مع أبسط ما تتعارف عليه العلوم الإنسانية والتربوية. فسن الثامنة عشرة كثيراً ما تعتبره تلك العلوم نهاية ما يسمى بفترة المراهقة، على أساس أن المرحلة الأخيرة من الطفولة تنتهي مع البلوغ، أي في حدود سن الثانية عشرة، وهو سن تعترف ثقافات رشيدة عديدة بأنه بداية مرحلة الرجولة.
,, أطفال العالم الثالث يسهمون بدرجة أقل مما يسهم به أطفال المجتمعات الصناعية في تسميم المناخ لأسباب منها انخفاض معدلات الاستهلاك |
وحتى لو سلمنا بوجاهة الدفاع عن حقوق الأطفال في زمن الحرب فقط، فلماذا لا نلحظ حمية مجلس الأمن وغيره من المجالس في نصرة أطفال لبنان وغزة وافغانستان وباكستان أمام العدوان الإسرائيلي والأطلسي ؟
ومن المفارقات العجيبة، اننا نجد الدفاع عن الأطفال، من جهة، والدعوة الصريحة إلى التخلص من الأطفال، من جهة ثانية، في سلة واحدة من سلال المنافحين عن حقوق الإنسان. فقد "قررت" بعض الدراسات الصادرة عن إحدى الجامعات الأميركية المرموقة أن الطفل هو عدو مبين للبيئة : كل طفل يولد يتسبب بانبعاث 9441 طن متري من ثاني أوكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى ويسهم باستنزاف الثروة المائية وغيرها، ما يعني أن من الضروري الآن أن يطلق شعار شعار من نوع : يا سكان المعمورة، لا تنجبوا الأطفال، وإن أنجبتموهم عجلوا بقتلهم حفاظاً على البيئة !! والأعجب أن الدراسة نفسها تقر بأن أطفال العالم الثالث يسهمون بدرجة أقل مما يسهم به أطفال المجتمعات الصناعية في تسميم المناخ لأسباب منها انخفاض معدلات الاستهلاك. ما يعني ان نوعية الاستهلاك الذي أنجبته الحضارة الصناعية، لا الأطفال، هي المسؤولة عن الكارثة.
تناقضات أقل ما يقال فيها أنها تكشف ليس فقط عن النفاق الذي تمتهنه الدوائر الممسكة بخناق البشرية، بل أيضاً وخصوصاً عن دخول تلك الدوائر في مرحلة الهذيان المرافقة لحالة الاحتضار.