ارشيف من :أخبار لبنانية

الاهتمام الأميركي الطارئ بمزارع شبعا

الاهتمام الأميركي الطارئ بمزارع شبعا
كتب مصطفى الحاج علي

كل الطرق تمر في روما، وفي لبنان كل الطرق يراد لها أن تمر على سلاح المقاومة، بما فيها عقدة أو عقد تشكيل الحكومة، لسنا هنا إزاء لغز محدد، وإن كنّا أمام لعبة "بازل" ليس من الصعب جمع عناصرها من كل نواحي الجهات المعنية، التي ستقودنا في النهاية إلى مطبخ واحد ووحيد مدموغ بالماركة الأميركية ـ الإسرائيلية. لقد جرّب هذا الحلف الشيطاني كل الوسائل المتاحة بين يديه للإجهاز على المقاومة في لبنان، بدءاً من محاولة كشف ظهرها داخلياً بواسطة أدواته المعروفة، وانتهاءً بعدوان تموز الذي صنفه الجميع في خانة الحروب العالمية، إلا أن كل هذه الوسائل باءت بالفشل، فكان لا بد من اجتراح خريطة طريق جديدة لإنجاز هذا الهدف، خريطة الطريق يمكن تلخيص عناصرها وفق ترتيب زمني وفق التالي:
أولاً: يفتح ملف تعديل بند قواعد الاشتباك ايطالياً، ثم يطوى، في عملية هي أقرب إلى جس النبض، لكنها كاشفة عما يفكر به للمرحلة المقبلة.
ثانياً: تأتي أحداث بيروت، ومن ثم اتفاق الدوحة، لتبدأ معهما محاولة يقوم بها فريق الموالاة وسيده الاميركي لفرض تأويل هو أقرب إلى الحقيقة المتمناة والافتراضية، بل لنقل الحقيقة الوظيفية، بمعنى استثمار ما جرى لإسقاط صفة المقاومة عن السلاح وإلباسه صفة الميليشيا، وتصويره كعبء على الوضع الداخلي اللبناني، والتأكيد على أن اتفاق الدوحة نزع الشرعية العربية عن هذا السلاح كمقدمة لنزع الشرعية الداخلية عنه، وأنه سيكون البند الأول، إن لم يكن الوحيد، على طاولة الحوار.
كان يمكن لهذه المواقف أن تشكل مجرد استثمار رخيص، مفنّداً على تزوير لحقائق الأمور، لكن ربطه بما سيأتي، يظهر أنه جزء من مؤامرة أو لنقل من مخطط اميركي ـ اسرائيلي أشمل.
ثالثاً: تنطلق عملية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ليصطدم الجميع بعقدة صاغها من صاغها بدهاء، معتقداً أن ما وراءه لن يكون واضحاً بل مستوراً، العقدة قوامها منح رئيس الجمهورية حقيبتين سياديتين، والمصادفة أن هاتين الحقيبتين هما: الدفاع والداخلية، ما يعني حصر الملف الأمني عند طرفٍ واحد، وإحداهما بيد وزير يكال له المديح الأميركي ليل ـ نهار، وبما يذكرنا بالمديح الاميركي نفسه الذي يكال لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
ثم تستكمل عناصر اللعبة مع تخيير السنيورة المعارضة بالاختيار بين المالية والخارجية، أي عملياً تطوي حقيبتي الدفاع والداخلية لرئيس الجمهورية، ومنع عون من أي حقيبة سيادية، وإذا كان لا بد من منحه حقيبة فلتكن من حصة المعارضة، أو من حصة رئيس الجمهورية؟ ما يعني وضعهما في مواجهة مع عون: المواجهة الأولى، يراد منها تصديع صف المعارضة، والمواجهة الثانية، يراد منها إحراج عون مسيحياً، إلا أن الهدف الأبعد يبقى يتمثل بكشف عون مسيحياً، وإضعافه في سياق عملية التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، وخصوصاً أن كلاماً كثيراً يتم تداوله عن حلف مسيحي يجري الإعداد له للوقوف في وجه عون، يمتد من رئاسة الجمهورية ليمر بالبطريركية المارونية، ومسيحيي 14 آذار، وصولاً إلى آل المر.
الصلة الاستراتيجية هنا واضحة: إضعاف تمثيل عون أو ضربه مسيحياً يعني عملياً إضعاف حجم تمثيل المعارضة عموماً لاحقاً، وضرب البعد المسيحي للمقاومة.
رابعاً: العمل على إبقاء الوضع الأمني متوتراً، وقائماً على حافة الحرب الأهلية والفتن المذهبية، هنا أيضاً الهدف غير المعلن هو إبقاء النار حامية تحت ملف سلاح المقاومة، ما يقوّي من مبررات المطالبة بالتخلص منه.
خامساً: فجأة يبرز اهتمام فرنسي وبريطاني وإيطالي وأميركي وحتى مصري بمسألة مزارع شبعا، واللافت هنا، أن واشنطن التي كانت تعطي لهذه المسألة أذناً من طين وأخرى من حجر، كلما أثير هذا الموضوع معها، هي نفسها من نقل رسالة مفاجئة بواسطة وزيرة خارجيتها رايس، إلى الحكومة اللبنانية، مفادها أن واشنطن تعمل مع الأمم المتحدة على الإسراع في ترسيم مزارع شبعا، تمهيداً لإدراجها في التقرير المقبل للأمين العام بان كي مون حول التجديد لليونيفيل، ومقاربة قضيتها وفق ما نص عليه القرار 1701، هذا في الوقت الذي أبدى الكيان الإسرائيلي رغبته مؤخراً في انضمام لبنان إلى عملية التفاوض، مشترطاً البحث في مسألة المزارع بهذا الانضمام.
من الواضح، أن مسألة ترسيم المزارع ووضعها تحت الوصاية الدولية، يراد له انجاز التالي:
أ ـ نزع الذرائع من أيدي المقاومة، بما يضعف حججها الداعية إلى التمسك بسلاحها.
وفي المقابل، يراد تقوية حجم خصومها، خصوصاً عندما تنعقد طاولة الحوار، وبالتالي إحداث تحوير استراتيجي في مسار عملية البحث في سلاح المقاومة، فبدلاً من أن يكون الهدف كيفية الاستفادة منه في سياق استراتيجية دفاعية وطنية، يكون الهدف في كيفية نزعه والتخلص منه.
ب ـ توجيه الضغوط باتجاه دمشق، لجهة مطالبتها بترسيم الحدود، بعد سقوط حجتها المعطلة لذلك، وصولاً إلى المطالبة بضبطها، وبما يحول دون مرور السلاح إلى المقاومة.
ج ـ تأتي الخطوات اللاحقة لتكريس النتائج من خلال عملية تفاوض مع الكيان الإسرائيلي، ومن خلال تطوير القرار الدولي رقم 1701.
إنها خريطة طريق، بل خريطة تآمر جديدة على سلاح المقاومة، وبالتالي ستلحق بأخواتها من خرائط التآمر، ومصيرها ومصير المتآمرين واحد، لأن المكر السيئ، لا يحيق إلا بأهله، انها خريطة مؤامرة جديدة، إلا أنها ليست حتمية، فلا ظروفها كاملة، ولا عناصرها متوافرة، ولا المقاومة وجماهيرها ستقف متفرجة.
الانتقاد/ العدد1274 ـ 19 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-19