ارشيف من :نقاط على الحروف

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

بعد مرور ما يقارب الشھر على بدء الحملة ضد قطر، تبدو أزمة الخليج وكأنھا تراوح مكانھا، ويمكن لھذه الأزمة أن تتصاعد وتستمر لفترة طويلة. القطريون ما زالوا على موقفھم الرافض لكل المطالب والشروط، والخليجيون ماضون في المقاطعة السياسية والاقتصادية، حتى أن مصادر خليجية قطعت الطريق على أي احتمال بتسوية قريبة، مشيرة الى أن عزلة قطر قد تستمر لسنوات، وأنھا لن تنتھي إلا حين تغيّر سياستھا.. أما القوى الإقليمية والعالمية فتتباين مواقفھا من الأزمة تبعا للمصالح والعقائد السياسية والاصطفافات السابقة.
 

رقعة الكباش الخليجي توسعت لتدخل مرحلة جديدة عنوانھا "التدويل"، مع الدخول التركي والإيراني على الخط، وسعي واشنطن لوضع خطط احتواء الأزمة الخليجية مع قطر، بعد الكشف عن قائمة مطالب خليجية وعربية سلّمتھا الدول الأربع إلى الكويت التي تضطلع بدور الوساطة في ھذه الأزمة، منھا:

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

أمير قطر تميم بن حمد والرئيس الامريكي دونالد ترامب


•    إغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى العلاقات مع إيران.
•    إغلاق قاعدة عسكرية تركية.
•    قطع الحكومة القطرية علاقاتھا مع المنظمات الإرھابية بما فيھا جماعة الإخوان المسلمين.
•    قطع علاقاتھا مع تنظيمات مصنفة بالإرھاب مثل تنظيم "داعش" و"جبھة النصرة"، وفتح الشام (فرع القاعدة السابق في سوريا)، وحزب لله في لبنان.
•    وقف دعم الدوحة للإرھابيين، والتخلي عن شخصيات مطلوبة دوليا وإقليميا.
•    تسليم جميع المذكورين على قوائم الإرھاب الموجودين على أراضيھا.
•    وقف تمويل الإرھاب والامتناع عن زعزعة الاستقرار الإقليمي.
•    وقف كل الشبكات الإعلامية التي تديرھا جھات قطرية.
•    الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأربع.
•    الامتناع عن تجنيس مواطني ھذه الدول، وتسليم المطلوبين، وقواعد البيانات المتعلقة بالتعامل مع المنشقين والمتھمين بالإرھاب.
•    مطالبة قطر أن تدفع لھذه الدول تعويضات عن أي ضرر أو تكاليف تكبدتھا على مدى السنوات الماضية بسبب السياسات القطرية.

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

اجتماع وزراء خارجية الدول المقاطعة لقطر

في ظل ھذه الأجواء المحتدمة، انتقل الخطاب السياسي للقطريين من مرحلة الدفاع وتجنب الاشتباك إلى لغة أكثر تحديا، إذ أعلنت قطر أنھا ليست على استعداد للاستسلام، وأكدت أنھا قادرة على الصمود إلى ما لا نھاية بوجه الإجراءات السعودية والإماراتية، وجزمت بأن قطر لن تساوم على استقلال سياستھا الخارجية، معتبرة أن الخلاف يھدد استقرار المنطقة بأسرھا، وأن الديبلوماسية لا تزال خيار الدوحة المفضل، وأنه لن يكون ھناك أبدا حل عسكري للأزمة، ولن يحدث أي تغيير في مھمة القاعدة الأميركية في قطر.

ردّ الدول الأربعة المقاطعة لقطر جاء سريعاً من خلال اجتماع لوزراء خارجية هذه الدول (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) في القاھرة لمناقشة الرد القطري على لائحة المطالب والشروط وتحديد كيفية "الرد على الرد"، وأصدروا بياناً حددوا فيه مبادئ ستة كإطار لحل الأزمة مع قطر:


•    التزام مكافحة التطرف والإرھاب بصورھما ومنع تمويلھما أو توفير الملاذات الآمنة.
•    إيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراھية أو العنف.
•    الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
•    الالتزام بمخرجات القمة العربية - الإسلامية - الأميركية التي عقدت في الرياض في أيار 2017.
•     الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون.
•    مسؤولية دول المجتمع الدولي في مواجھة كل أشكال التطرف والإرھاب بوصفھا تمثل تھديداً للسلم والأمن الدوليين.

وكان لافتا أن البيان صيغ بلھجة متشددة وقاسية، وتحدث عن عدم استيعاب قطر لحجم وخطورة الموقف، مع تلويحٍ مبطن بإمكانية اتخاذ إجراءات أكثر قسوة ضد قطر، من أبرزھا:

•    تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي بسبب انتھاكھا الأسس التي تقوم عليھا العلاقات بين دول المجلس بما يمس سيادتھا وأمنھا القومي ويضرب الاستقرار في المنطقة.
•    رفع أدلة وقرائن الى مجلس الأمن بشأن تورط قطر في دعم عناصر وجماعات إرھابية.
•    إقفال بث قناة "الجزيرة" على قمري "عرب سات" و"نايل سات".
•    تشديد الخناق الاقتصادي بقطع ما تبقى من صلات مع الدوحة، وفي ھذا الإطار إصدار توجيه رسمي للبنوك السعودية والإماراتية والبحرينية بسحب ودائعھا وقروضھا ما بين البنوك في قطر والتي تقدر بحوالي 16 مليار دولار.
•    تخيير الشركات الكبيرة بين التخلي عن أصولھا القطرية وبين منعھا من مزاولة استثماراتھا في الخليج.
•    عدم السماح لشحنات النفط القطرية بالمرور عبر المياه الإقليمية للدول المقاطعة.

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

استمرار الوساطة الكويتية بشخص أميرها بين قطر ومقاطعيها

في تقدير أوساط دبلوماسية منتمية الى ھذا المحور الرباعي، فإن استقواء قطر في تصديھا للشروط الخليجية ورفضھا ليس بالدعم الإيراني السياسي والاقتصادي أو بالدعم التركي العسكري، وإنما بالموقف الأميركي.

فبإمكان واشنطن أن تقوم بدور رئيسي في نزع فتيل ھذا الوضع الذي قد ينفجر، ولكن ھذا الدور يسير ضمن توازن دقيق بين الرؤية والمعالجة، وفي ھذا الإطار تسعى واشنطن إلى تنسيق أوسع وأشمل مع كل من السعودية والإمارات في ما يخص أي إجراءات جديدة ضد الدوحة من منطلق أن قطر لن تتخلى عن شراكتھا مع الولايات المتحدة.

وفي المقابل، وعدت واشنطن كلا من الرياض وأبو ظبي بأنھا ستقوم بتركيز جھودھا من أجل وضع حد نھائي للدعم القطري للجھات والمجموعات الخطرة، ووقف الدعم السياسي والمالي فضلا عن الملاذات الآمنة ومنصات التواصل والشبكات الإعلامية للجماعات المتشددة أو لأبرز الوجوه التي تدافع عن ھذه الجماعات، كما ستعتمد واشنطن بعد تأكدھا من سلوك قطر الجديد نھجا أكثر إيجابيًا معھا وربما إعطاء قطر ضمانات أمنية وإقتصادية إضافية قد تقود في نھاية المطاف إلى تحفيز تحسين علاقاتھا مع أشقائھا الخليجيين وعدم تفضيل طھران والجماعات المتشددة عليھم.

أما تركيا وإيران فقد رفضتا الالتحاق بمعسكر القطيعة والحصار، وإن اختلفت دوافعھما وردود فعلھما.
إيران وجدت في الأزمة الخليجية مصلحة محتملة:
أولا: لإظھار السعودية في موقف المعتدي والقوة الساعية للھيمنة على الجوار.
وثانيا: لأن اندلاع الأزمة الخليجية وضع نھاية للتضامن الإقليمي - الأميركي ضدھا، وربما أمل المسؤولون الإيرانيون أن تفاقم الخلافات الخليجية سيساعد إيران على إقامة علاقات أوثق ليس مع قطر وحسب، ولكن أيضا مع عُمان والكويت، وبالتالي إيجاد موطئ قدم لھا في الخليج والدخول إليه من الباب القطري.

بالنسبة إلى تركيا فھي كانت محط الأنظار منذ الأيام الأولى للأزمة، ليس فقط لأن أنقرة تحتفظ بعلاقات وثيقة بكل من قطر والسعودية، ولكن أيضا لأن تركيا وقطر وقَّعتا منذ 2014 اتفاقية لتأسيس وجود عسكري تركي في قطر.

قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها

العلاقات التركية القطرية وثيقة

العلاقات التركية - القطرية وثيقة، ومن غير المتوقع أن تتخلى تركيا عن قطر في ظل توافق مصالحھما الاستراتيجية والدبلوماسية والعلاقات الإيجابية التي تجمع بينھما، إلا أن ھذا من شأنه أيضا التأثير في علاقات تركيا بدول الخليج، وھذا ما يلقي بظلاله الآن على المنطقة، في ظل حالة التوتر العامة التي تسودھا.

أما الاتحاد الأوروبي فقد أعاد تأكيد سياسة النأي بالنفس عن الخلاف في الخليج، وھو يتبع سياسة الوساطة في إدارة الأزمة الخليجية، لا سيما عبر تشجيع الحوار مع جميع الأطراف والبحث عن أرضية مشتركة، مشيدا بالوساطة الكويتية، ومؤكد أن أوروبا لا ترغب في رؤية أي تداعيات أو تصعيد إضافي في منطقة الخليج.

خلاصة ھذه التطورات تشي بأن الدوحة لا تزال متمسكة بخيار تحدي الھجمة السعودية والإصرار على رفض الوصايات، ما عدا الأميركية منھا.. أما في حال تلكؤ واشنطن في الضغط لإيجاد حل لھذه الأزمة أو في حال رفض أي من الطرفين الوساطة الأميركية، فإن الوضع في المنطقة سيصبح شديد التعقيد ومفتوحاً على شتى الاحتمالات بما فيھا العسكرية، وستجد دول الخليج نفسھا في وضع صعب للغاية.

2017-07-10