ارشيف من :نقاط على الحروف

أزمة الخليج في منظوري الإعلام والسياسة.. أين ’إسرائيل’؟ (1 من 2)

أزمة الخليج في منظوري الإعلام والسياسة.. أين ’إسرائيل’؟ (1 من 2)

ألقت الأزمة الخليجية - الخليجية بتفاصيلها الآخذة بالتعقيد، السياسية منها والاقتصادية والإعلامية، وغير العسكرية حتى الآن، الضوء على جوانب مهمة في إطار "المواجهة" بين قطر من جهة وبين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، وعلى الرغم من التوقعات التي كانت ترجح حصول الاصطدام بين أطراف الأزمة، في ظل استحضار الخلافات القديمة - المتجدّدة حول مواقف قطر وسياستها الخارجية، التي غالباً لم تكن تلتقي مع الإجماع الخليجي، إلا أن ما تم ويتم استخدامه من أسلحة سياسية وأدوات إقتصادية وخطاب إعلامي بهذا المستوى والحدّة، لم يكن في مجال هذه التوقّعات والترجيحات، خصوصاً أن رصد تدحرج الخطاب السياسي والإعلامي لأطراف المواجهة يقود إلى ملاحظة نموذج جديد من التعاطي الاعلامي سيرخي بثقله على تطوّرات المرحلة المقبلة ومسارها السياسي والإعلامي.

أزمة الخليج في منظوري الإعلام والسياسة.. أين ’إسرائيل’؟ (1 من 2)


فضائيات بلغة عربية لتدجين الشعوب
منذ العام 2003، ولا سيما بعد  حربي الخليج الأولى والثانية، بدأت الدول الكبرى - بالتوازي مع الجهود السياسية والدبلوماسية والعسكرية - بإعطاء جرعة أكبر من الاهتمام للشأن الإعلامي الموجّه لدول المنطقة العربية والإسلامية وشعوبها، نظراً لما للفضائيات من تأثير وسطوة على العقل العربي الذي ما زال في طور الاستهلاك، واتّبعت نهج الخطاب الذي يفهمه هذا الجمهور واللغة التي يعتمدها، حيث إن المرحلة باتت تتطلب تدجين القاعدة بعدما اطمأنت إلى تدجين رؤوس الأنظمة.
تم اعتماد هذا التوجه بعدما فشلت واشنطن، خلال عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، في تحقيق هدف تحسين صورة الولايات المتحدة حول العالم، على الرغم من إنفاقها مليار دولار في عام 2003، فقررت الإدارة الأميركية اتباع أسلوب آخر، تمثل بإنشاء قناة "الحرة" الفضائية الناطقة باللغة العربية عام 2004، وباعتماد كلّي وتمويل حصري من الحكومة، وهي كانت بمثابة أكبر مشروع إعلامي ترعاه واشنطن، بعد تجربة إطلاقها إذاعة "صوت أميركا" عام 1942. واتّبعت ألمانيا الأسلوب نفسه فأنشأت عام 2005 قناة "دويتشه فيلله" (DW) العربية من الكويت. وفي العام نفسه أطلقت روسيا قناة "روسيا اليوم" باللغة العربية، وفي العام 2007 انطلقت قناة "فرنسا 24" العربية.

هكذا.. أخذت الحرب الناعمة طريقها إلى التطبيق الميداني على غرار سياسة التدخل العسكري المباشر الذي كانت تعتمده أمريكا وأوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية، وكان باكورة هذا التطبيق إنشاء قناة "الجزيرة" عام 1996، واستنسخت تجربة محطة BBC واستفادت من خبراتها وكوادرها، فكانت بمثابة ثورة إعلامية رأى فيها الجمهور العربي نافذة حرّة ومنبراً يناقش القضايا حيث الكلام محرّم، وانتقاد الأنظمة والحكام ممنوع، وكرد فعل على قناة "الجزيرة"، ظهرت قنوات "العربية" و"الإخبارية" السعوديتان، و"سكاي نيوز" بنسختها العربية الإماراتية، وأصبحت قطر "هبة الجزيرة"، كما مصر "هبة النيل"، وتحوّلت هذه الدولة الصغيرة إلى لاعب كبير في مسرح القضايا العربية والدولية، وكانت القضية الفلسطينية المحور الأساسي الذي ارتكز عليه الإعلام القطري في الدخول إلى العقل الجماهيري والبدء بتعرية الأنظمة العربية المتخاذلة.. باستثناء قطر.

 

أزمة الخليج في منظوري الإعلام والسياسة.. أين ’إسرائيل’؟ (1 من 2)
كاريكاتير نشر في احدى الصحف السعودية


الإعلام شرارة الحرب
تعاظم الدور القطري كثيراً، في مرحلة كانت المنطقة العربية تمر في واحدة من أعقد المراحل وأشد الأزمات، مع استمرار مسلسل تهاوي الأنظمة تحت مسمّى "الربيع العربي"، ولا سيما في مصر التي انشغلت بحوادثها وانقلاباتها الداخلية، وتراجع تأثير الدور السعودي على مجمل الواقع العربي بسبب أزمتها المالية والاقتصادية الداخلية وتورّطها في الحرب اليمنية، وجاءت القمم الأميركية العربية الاسلامية في الرياض، برعاية دونالد ترامب أو "أحد جنود الله" كما وصفه مفتو البلاط السعودي، لتمنح السعودية فائضاً كبيراً من القوة دفعها، بعد يومين فقط من اختتام القمة وتزامناً مع تاريخ نكسة العرب في 5 حزيران، إلى إطلاق حملة التعبئة ضد قطر، فقد آن الأوان لتحجيم الجسم الناتئ في شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى إمكانية شطبه من الخارطة، وقد لا يكون هذا مستبعداً، فحكام السعودية مولعون بمحو الخطوط والحدود وإعادة رسمها.
بدأت الأزمة ببث قناتي "العربية" السعودية  و"سكاي نيوز" الإماراتية تصريحات منسوبة لأمير قطر ينتقد فيها السعودية ويتحدث إيجاباً عن إيران وحزب الله، وتأخر النفي القطري ساعات قبل أن يصدر بيان مقتضب يعلن حصول اختراق الكتروني لوكالة الأنباء القطرية.. كانت باكورة الأزمة إعلامية، متّصلة بالموقف السياسي لأطراف الأزمة، وسرعان ما كرّ سيل التصريحات والتسريبات على شاشات الفضائيات المحسوبة على كل طرف، وبدأت هذه الشاشات تكشف المستور، وتفضح الخفي من الملفات، وتستخرج من أرشيفها الإعلامي والأمني معلوماتها الموثّقة بالصوت والصورة.

أزمة الخليج في منظوري الإعلام والسياسة.. أين ’إسرائيل’؟ (1 من 2)
جريدة الراية القطرية


حاولت قطر تلافي الاستهداف الإعلامي المباشر ضد السعودية، وركّزت على الإمارات والبحرين ومصر، وبدت وحيدة أمام هجمة دعائية رباعية لم تقتصر فقط على السياسة والاقتصاد .. وحتى الرياضة، بل وصلت إلى حد شيطنة الشخص من خلال التركيز على أفراد العائلة الحاكمة في قطر، وتورّطهم في العداء للسعودية ودول الجوار على مدى عشرين عاماً، وبهذا انتقلت الحرب الاعلامية إلى منحىً آخر كان يشي بوضوح أن الأزمة ليست مقتصرة على السطح بل بدأت توغل في العمق، ودخلت في نفق مسدود، وأنها ليست مجرد "زوبعة في فنجان" كما كان يأمل بعض المحللين في بداية اندلاع الأزمة. أدرك القيّمون على الإعلام القطري هذا الواقع متأخّرين، فاندفعوا إلى المواجهة الشاملة.
حدّد الثلاثي الخليجي ورابعهم مصر الشروط لحل الأزمة، وتصدّر المطالب بند إغلاق قناة "الجزيرة" وكل فروعها الإعلامية، وسبق ذلك وقف الأذونات الصحافية وإغلاق مكاتب القناة القطرية في عواصم الدول الأربع، وجرى تمهيد الأجواء أمام ذلك بإعلان قطع العلاقات مع الدوحة. لم تلتزم الحرب الإعلامية المتبادلة بالقيم والآداب والقواعد المهنية، وتعاطى جزء كبير من الإعلام العربي مع هذه الأزمة بطريقة غير مهنية، ولم يكن هذا الأمر سوى تطبيق لتوجيهات سياسية وترجمة لمواقف أطراف الصراع، وهذا ليس جديداً على الإعلام العربي الذي يُعتبر بوقاً سياسياً في خدمة الأنظمة، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا النوع من الحرب وبهذا القدر من الشراسة والقسوة.
(يتبع)

 

2017-07-10