ارشيف من :آراء وتحليلات
الشراكة الألمانية -الإفريقية والدور التونسي
تستعد ألمانيا لإطلاق مشروع ضخم للشراكة مع إفريقيا وهي العملاق الاقتصادي الأوروبي الذي، وبخلاف فرنسا وبريطانيا، ليست له مستعمرات سابقة يستغلها كسوق لترويج منتوجاته. ولعل اللافت في هذا المشروع القائم على خطة طويلة الأمد هو توجه الألمان نحو تونس واعتبارها حجر الأساس التي من خلالها سيلج الألمان إلى الأسواق الإفريقية بالنظر إلى الاحترام الذي تحظى به الخضراء في ربوع قارتها منذ أن ساهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في مساندة عدد من حركات التحرر في إفريقيا على نيل استقلال بلدانها، كما ساهم في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية إلى جانب جمال عبد الناصر وزعماء آخرين.
وقد زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تونس بالأساس من أجل هذا المشروع، ودعت رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى برلين لقمة ألمانية إفريقية وكان الرئيس التونسي محور الاهتمام. وأكدت ميركل وكذا كبار مسؤوليها على هذا الأمر لرئيس الحكومة يوسف الشاهد أثناء زيارته لبرلين. ويبدو أن الأمور أخذت منحى جدياً إلى أبعد الحدود.
مصالح متبادلة
ويبدو أن الألمان بحاجة إلى علاقات تونس مع البلدان الإفريقية وإلى موقعها الإستراتيجي باعتبارها تتوسط الشمال الإفريقي وتقع في منطقة تماس بين القارتين السمراء والعجوز. وتونس أيضا، وإلى جانب إيطاليا، هي قلب البحر الأبيض المتوسط النابض المشرف على مضيق صقلية معبر السفن التجارية والحربية بين قناة السويس ومضيق جبل طارق ولها واجهتان بحريتان على المتوسط إلى جانب جزرها العامرة والآهلة بالسكان.
بالمقابل فإن التونسيين ورثة حضارة قرطاج التي تغلغلت في إفريقيا قبل غيرها من أمم الأرض، ولديهم رغبة جامحة في اقتحام الأسواق الإفريقية لكن تعوزهم الإمكانيات. ويعتبر العرض الألماني مغرياً بالنسبة لهم لما لألمانيا من إمكانيات هائلة على مستوى النقل والسيولة المالية والخبرة في الاستثمار والسمعة العالمية وحتى التأثير السياسي الأمر الذي قد يساعد المستثمرين ورجال الأعمال التونسيين على الاستقرار في ربوع القارة السمراء ويسهل عملهم.
شراكة أم استعمار جديد؟
واختلفت تقييمات هذا التوجه في الشارع التونسي، فاعتبر البعض أن هذا المشروع هو استعمار جديد قد تلعب فيه تونس دور الدليل الذي يرشد المستعمرين الجدد على منابع الخيرات. ويؤكد التاريخ وجود أدلاء للمستعمرين في كل عصر من أبناء الأرض مهمتهم تسهيل عمل الغزاة وبالتالي وجب عدم لعب هذا الدور الذي قد يدر مالا وفيرا لكن التاريخ لن يذكره بخير.
بالمقابل يرى آخرون أن عصر الاستعمار القديم قد ولى وانتهى وأن عالمنا قرية صغيرة ولا ضير من التعاون مع بلدان الشمال والجنوب على حد سواء باعتبار تونس همزة وصل بين القارتين. ويرى هؤلاء أيضا أن تونس أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لبناء الشراكة مع إفريقيا التي طالما حلم بها أبناؤها إحياء لأمجاد قرطاج التي وصلت بعلاقاتها التجارية إلى ربوع ما يسمى اليوم الكامرون والغابون مستغلة الساحل الأطلسي للقارة السمراء أفضل استغلال. فمن أسرار نجاح قرطاج الاستغلال الجيد للموقع الإستراتيجي لتونس اليوم للولوج تجاريا إلى إفريقيا وشمال القارة العجوز عبر المحيط الأطلسي.