ارشيف من :آراء وتحليلات
إنها لعنة اليمن!
يحيى الشهاري - إعلامي وكاتب سياسي يمني
50 ألف سوداني يستعدون لمغادرة الأراضي السعودية قبل انتهاء المهلة المعلنة من سلطات الرياض. يعودون الى وطنهم مجبرين مكرهين دون إعتبار للدم السوداني المنهمر يوميًا في صحارى وجبال وقرى اليمن، ولا فرق بين من تعود جثته في صندوق خشبي بعد مشاركته ضمن ما يسمى التحالف العربي على اليمن، وبين من يستقل اليوم طائرة المغادرة من السعودية.
ليس جديدًا على النظام السعودي أن يستغني عن مناصريه ومؤيّديه، كما فعل بقطر واتهام جنودها المرابطين في الحد الجنوبي السعودي بالمرتزقة، بعدما شكّلوا عبئًا ثقيلًا على المملكة. هذه هي المملكة وهذا هو نظامها وإن جاءت هذه المرة بعناوين مختلفة تجاه السودان بدعوى أن النظام السعودي اتخذ هذه الخطوة من قبيل التخفيف من عدد المقيمين في السعودية بسبب الأعباء الاقتصادية التي ما عاد يتحمّلها، وما من أعباء سوى النفقات الضخمة والأزمات المالية إثر الاستنزاف الكبير في إشعال حرب اليمن بالدرجة الأولى.
إنها لعنة اليمن!
أما مصير الجنود السودانيين في محرقة ومقبرة اليمن، فقد أصبح اليوم وفق ما يراه مناسبًا الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تحدث سابقًا أنه وجد ضالته للخروج من الأزمات التي عصفت ببلاده سياسيًا واقتصاديًا والحصار الذي قادته الولايات المتحدة على السودان، وذلك من خلال ثلاث خطوات مترابطة، الأولى انخراطه بشكل كبير في الحرب على اليمن، والثانية انضمامه للمعسكر الأمريكي ضدّ حركات التحرر، والثالثة التقارب مع الكيان الصهيوني. كما أن الرئيس السوداني الذي كان ملاحقًا من قبل محكمة الجنايات الدولية ومطلوبًا للمحاكمة بتهمة ارتكاب قواته جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور بالسودان.
بعد الانخراط والمشاركة في الحرب على اليمن، بات البشير يجري زيارات خارجية دون أن تطالب المحكمة الجنائية او الولايات المتحدة من الدول التي يقصدها تسليمه للعدالة، على اعتبار أن مشاركة بلاده القوية في الحرب على اليمن هي السبيل والمخرج الوحيد له من حبل المشنقة الدولية، وذلك على حساب الدم السوداني.
وعلى الرغم من كل ما قدمه البشير، إلّا أن الإدارة الأمريكية أعلنت مؤخرًا تأجيل رفع العقوبات عن السودان لمدة ثلاثة أشهر، وهي بهذا الأسلوب تدفع البشير إلى تقديم مزيد من التنازلات، لكن المشكلة أصبحت مضاعفة، فالسودان الذي قدم تنازلات من طرف واحد فقد الثقة بأسياده الجدد، ولعله يتساءل الآن ما الذي يضمن رفع العقوبات إن قدم تنازلات جديدة؟
ونحن هنا نتساءل: هل سيستفيد البشير من هذا الدرس أم يندفع أكثر إلى الحضن الأمريكي؟ لعله يعيش واقع التخبط والتيه.. إنها لعنة اليمن!