ارشيف من :نقاط على الحروف
الحسابات الإقليمية المفتوحة لما بعد هزيمة ’داعش’
مع السيطرة على "المدينة القديمة" وعلى موقع "جامع النوري" الذي أعلن منه زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي دولة "الخلافة الإسلامية"، تكون معركة "تحرير الموصل" انتھت عمليا وعسكريا بعد معارك ومواجھات عنيفة استمرت نحو ثمانية أشھر.
كان واضحا منذ بداية المعركة أن نتيجتھا محسومة
كان واضحا منذ بداية المعركة أن نتيجتھا محسومة وأن المسألة مسألة وقت. النتائج المترتبة على ھذه المعركة والمرتبطة بمرحلة ما بعد الموصل وما بعد انتھاء "داعش" في العراق ھي الأھم: من يحكم الموصل ويسيطر عليھا؟! كيف ستتوزع خارطة الحصص والمصالح والنفوذ؟ كيف ستؤثر معركة الموصل على الحرب السورية وتحديدا على معركة الحدود والشرق والبادية؟
الأكراد لم تكن لھم مشاركة أساسية في تحرير الموصل وھم كانوا ربطوا مشاركتھم بحوار واتفاق مسبق حول مرحلة ما بعد تحرير الموصل وعلى صيغة لإدارة الموصل في شكل يراعي توازناتھا ومكوّناتھا ويطمئن سكانھا الى مصيرھم بعد طرد "داعش".
ولكن الأكيد أن أعين الأكراد تتجه أولا الى كركوك التي ستكون نقطة الصراع الساخنة في مرحلة ما بعد "داعش"، في ظل ضغوط مزدوجة من جھة بغداد التي ترفض أن تكون المنطقة الجديدة تابعة لإقليم كردستان وتفضل بقاء الوضع الإداري لمحافظة نينوى على ما كان عليه قبل حزيران 2014، تاريخ سقوطھا في أيدي"داعش".
من جھة أخرى، تركيا تثير الموصل شھيتھا، وأيضا كركوك، حيث مطالب التركمان تتركز أساسا حول الحفاظ على وضع لكركوك، بإدارة مشتركة، عربية وكردية وتركمانية، فيما يصر الأكراد على ضمھا الى إقليمھم.
أما الأميركيون فإنھم مدركون لحجم التعقيدات العراقية الداخلية، والتناقض الحاد في مصالح وأھداف القوى الخارجية، وإمكانية احتدام المواجھات الأمنية والسياسية بعد تحرير الموصل. قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ستيفن تاونسند قال: "إن الحرب بعيدة كل البعد عن نھايتھا، لذلك لا أتوقع أي تغيير في مستوى قواتنا فما زال أمامنا عمل شاق يتعيّن علينا وعلى العراقيين القيام به".
وعلى رغم الارتياح والتفاؤل الذي عم البلاد بعد نجاح القوات العراقية في تحرير الموصل، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة من عودة "الخلايا النائمة" إلى تنفيذ ھجمات وعمليات انتحارية، فضلاً عن القلق من نشوب عمليات انتقام طائفية، وصراعات على النفوذ.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعد إعلانه رسميا الانتصار والقضاء على "داعش" في العراق، دعا إلى "الأخذ بزمام الأمور بعد التحرير الكامل، وأن مسك الأرض مھمة القوات العراقية فقط، فهناك نية مبيتة لتأجيج الحرب الطائفية، لكن وقوف شيعة العراق مع سنته سيوحد البلاد".
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش، قال "إن سحق "داعش" في الموصل لا يعني نھاية الحرب على الإرھاب وأمام العراق المزيد من العمل للتعافي الكامل وإرساء السلام الدائم، وذلك من خلال إعادة المھجرين والإعمار، بالتوازي مع عملية سياسية قوية لإجراء الانتخابات وتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية، وإعطاء الجميع الحق في العودة، من دون أي تلاعب ديموغرافي أو اللجوء إلى الھجمات الانتقامية أو العقاب أو الإخلاء القسري".
المخاوف ما زالت قائمة من عودة "الخلايا النائمة" إلى تنفيذ ھجمات وعمليات انتحارية
نصر "الموصل" طرح تساؤلات عدة عما بعدها وانتھاء "داعش" في العراق:
ھل انتھى ھذا التنظيم فعلا وانتھى الى غير رجعة، أم ما زال قابلا لأن "يفرّخ" بنسخة جديدة واسم جديد؟! ھل الوقائع والأسباب التي أنتجت "داعش" ما تزال قائمة أم زالت؟! ھل توجد استراتيجية أميركية لمرحلة ما بعد "داعش" في العراق؟ وما ھي العناصر الضرورية في ھذه الاستراتيجية فيما لو وُجدت؟ وإذا كان تنظيم "داعش" يستمر عقائديا كفكر ديني متطرف وإرھابي، ماذا يحل به كواقع على الأرض؟ و"أين المفر" بعد الموصل، ھل الى سوريا أم الى أبعد، الى "مصر سيناء" أو الى "أفغانستان"؟
محللون خبراء في "الجغرافيا المصرية" يرون أن سيناء تمثل رمزاً مھماً لتنظيم "داعش"، فخبرة المقاتلين المصريين وتاريخ عملھم مع التنظيمات التكفيرية المسلحة خارج الحدود المصرية بدءاً من عام 1979 أثناء الحرب الأفغانية وحتى الآن، تمثل مرتكزاً أساسياً للعلاقة بين قيادة التنظيم السابقة في الموصل وبين ذيله في القاھرة منذ إعلان مبايعة "أنصار بيت المقدس" في تشرين الثاني 2014، ومجاورة ھذه البقعة الجغرافية لغزة، ما أعطى أھمية استراتيجية من الناحية العسكرية، اذ تمتد الأنفاق الأرضية للضفة الأخرى داخل الأراضي الفلسطينية حيث الدعم المتواصل سواء عبر تصدير المقاتلين أو الأسلحة التي يتم شحنھا لقتال الجيش المصري وقد أرسلت من قبل لقتال "إسرائيل"، فھذه الأنفاق شريان التنظيم الموصول دائماً، ولعلھا تمثل السر وراء بقاء التنظيمات المتطرفة في سيناء حتى اللحظة.
نُشر مؤخراً تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية ذكرت فيه أن "داعش" يسعى إلى بناء تنظيم جديد من أجل البقاء بعد خسائره الجسيمة في العراق وسوريا، وأن ھزيمة "داعش" في الموصل، ومحاصرتھم في الرقة دمر دولة الخلافة المزعومة الخاصة بھم، لذلك جھز التنظيم خطة جديدة أكثر مرونة لمواجھة الضربات العسكرية ضده. وبالتالي فإن تنظيماً جديداً سيخرج للنور مستفيداً من المرونة التي يتمتع بھا التنظيم بسبب تكوينه من عناصر محلية في العراق وسوريا وعناصر دولية تنسق عبر "الإنترنت"، يترافق ذلك مع ازدياد مخاوف من أن ھناك عناصر من "داعش" تعمل على العودة إلى أوروبا وشمال إفريقيا.
في النهاية، تبقى الانعكاسات المرتقبة على معركة الحدود السورية – العراقية. فسقوط الموصل لا تنحصر تداعياته في العراق ولا يجري التعامل معها على كونها حدثا عراقيا منفصلا عن المحيط، ذلك أن تلازم المسارين العراقي والسوري بدأ يفرض نفسه على الأجندة الدولية، والوضع في سوريا بعد القضاء على "داعش" في العراق لن يكون مشابھا لما كان قبل ذلك، وستشتد حالة الغليان وعملية خلط الأوراق فيھا وترتفع وتيرة وخطورة الاشتباك الدولي على أرضھا وحدودھا..