ارشيف من :آراء وتحليلات

حكومة الصندوق!

حكومة الصندوق!

أحمد فؤاد (صحافي مصري)
تفضح كل مؤشرات الاقتصاد المصري زيف ادعاءات حكومة شريف إسماعيل، فالإصلاح يبدو من وجهة نظر المواطن العادي هبوطا نحو أسفل سافلين، يدفع بمعاناته اليومية ثمن أخطاء الحكومة، ثم تجبره الحكومة –بسيف البطش- على دفع ثمن إصلاح الخطأ القديم بكارثة جديدة، فلا يتبقى في هذه الحالة سوى حل البيع كما رأينا في تيران وصنافير، أو حل الارتهان لمؤسسات الإخضاع الدولية، كما نشاهد مع صندوق النقد الدولي يوميًا.

حكومة الصندوق!
"إصلاح" يقتات على الفقراء والطبقة الوسطى


يبقى التضخم أكثر المؤشرات الاقتصادية تماسًا مع حياة المواطنين، وعصفًا بأيامهم البائسة، بما يلقيه من أعباء إضافية على أجساد لا تتحمل الواقع الوقح الحالي، فضلًا عن عذابات جديدة تنتهك الباقي من آدمية مزعومة، وكالعملة المعدنية، يعبر وجهها الآخر عن انحيازات الحكومات بشكل لا يقبل الشك.
التضخم خلال الشهور التي تلت "التعويم" بلغ حدًا تاريخيًا، لم تشهده مصر إلا خلال الحرب العالمية الثانية، والمنتظرون لإجراءات الحكومة في تخفيف الاحتقان يحلمون بسراب لا يظهر أبدًا.
في زيارة المندوب السامي للصندوق في مصر، كريس جارفيس، أدلى بأحاديث صحفية لكل وسائل الإعلام، شارحًا حتمية إجراءات الحكومة الأخيرة، ومآلات عملية الإصلاح، الذي يجري –كما أكد- برعاية كاملة من الصندوق، وبرضى كامل عن مسيرة الحكومة الاقتصادية.
قال "جارفيس" ما لم يقله مسؤولو مصر ولا يعلمه وزراؤها، الذين بدوا جواره كقطع شطرنج أنيقة، لا روح فيها ولا فعل لها، قال إن الإصلاحات الحكومية تسير في طريقها المرسوم والمعد جيدًا، وإن الصندوق راض عن حكومة مصر، والأهم أنه أوضح أن التضخم سيستمر في الارتفاع حتى الصيف المقبل، أي أن الشارع المصري مقبل على الأسوأ.

حكومة الصندوق!
الإصلاح الاقتصادي حقق حتى الآن معدلات دين خارجي غير مسبوقة تاريخيًا


بالفعل هناك أسوأ لم تختبرنا به الأيام مع التضخم.
لكن فرضية "جارفيس" باعتباره الأكثر إلمامًا بالسياسات المصرية، تقول إن موجة الغلاء السابقة كانت قطرة في بحر ما يعده الصندوق للمواطن المصري، فالقياس على التضخم سنوي، أي أنه بدءا من شهر نوفمبر المقبل فنسب التضخم من المنطقي أن تنخفض عن مستوياتها القياسية الحالية، والتي تدور حول 30%، منذ انطلاق عملية التعويم المشؤومة، بالمقارنة مع 10% على الأكثر خلال السنوات الخمس الماضية.
الإصلاح الاقتصادي الذي يقول رئيس وزراء مصر إنه بدأ مع التعويم كقطار لن يتوقف، حقق حتى الآن معدلات دين خارجي غير مسبوقة تاريخيًا، وصلت الديون –طبقًا لبيان رسمي من وزارة التخطيط المصرية في 15 يوليه- إلى 75 مليار دولار، وعبر الدين الداخلي مستوى الـ4 تريليونات جنيه، والحكومة مستمرة في الاقتراض بلا رادع.
التحذيرات التي انطلقت من قلوب وطنية، خلال الأعوام الماضية، ركزت على خطورة الدين الخارجي سياسيًا واقتصاديًا، وتجربة مصر مع الاحتلال البريطاني جاءت كناتج مباشر لاقتراض الخديوي إسماعيل من أوروبا، وهو ذات ما نعاينه الآن اسمًا وسيرة مع المهندس إسماعيل، ارتفع الدين الخارجي في عام واحد من 50 مليار دولار إلى 75 مليارًا، بزيادة 50%، وهي أكبر زيادة للدين الخارجي على الإطلاق.
تقول سياسات حكومة مصر الحالية، إن تشابه النهايات ممكن، رغم أن التشابه بين الشخصيات الفاعلة تاريخيًا مستحيل.
كل ما حدث ويحدث في المحروسة –سابقًا- فضح أن الحكومة باعت شعبها، قبل أن تبيع أي شيء أخر، وتخلت عن الوطن أمام إرادة صندوق النقد الدولي، مؤسسة السيطرة الدولية الأقذر على الإطلاق.
وللأسف فان دعوات تغيير البوصلة، التي تنطلق وانطلقت من قلوب وطنية شجاعة، خلال الأعوام الأخيرة، تاهت في البرية، والنظام مصمم على سحق كل -أو بقية- إيمان بالقدرة على حل أزمة الوجود الحالية، تصنيف البشر إلى مؤمن وشرير صار الأولوية العظمى للدولة.

حكومة الصندوق!
رسم كاريكاتيري نشره أحد المواقع المصرية يتناول علاقة مصر بصندوق النقد


والمهللون الحامدون الشاكرون لإصلاحات الدولة، يبررون أن للتغيير ثمنا، لكن من يدفع أثمان عمليات ترقيع النظام؟! هل يدفعها من دفع بالدم والعرق سابقًا ثمن الفساد، هل يدفعها من يتحمل مدفوعات الأخطاء دائمًا.
هناك من يتربح من القرارات الاقتصادية للحكومة، منذ سنوات طويلة، والغالبية من الناس مطالبة أن تضيف أصفارًا جديدة لثرواتهم، إصلاح يقتات على الفقراء والطبقة الوسطى، فيما الأغنياء قريبون من قلب الحكومة بعيدون عن نارها، فهم في جنتها فاكهون.

2017-07-18