ارشيف من :ترجمات ودراسات
المقدسيون هم أصحاب السيادة الحقيقية على الحرم
صحيفة "هآرتس" – نير حسون
من الصعب أن نقول "كيف ستنتهي الأزمة حول الحرم"، لكن الأيام الاخيرة اثبتت ان صاحب السيادة الحقيقي في الحرم ليس "إسرائيل" أو الاردن او الاوقاف بل هم الفلسطينيون المقدسيون.
وقد حاول الإسرائيليون اختبار المجتمع الفلسطيني في القدس عبر المسّ بنقاط ضعفه ( اي الفقر، انعدام القيادة، مفاسد الاحتلال، هدم المنازل ومصادر الاراضي)، لكن الفلسطينيين في الايام الاخيرة حققوا انجازا غير مسبوق"، فمن دون استخدام العنف فرض المقدسيون مقاطعة غير مسبوقة للدخول إلى نطاق الاقصى، وحشروا "اسرائيل" في زاوية خطيرة تدفعها إلى التراجع عن قرارها وفتح البوابات الالكترونية. القرار، اذا ما اتخذ، سيتم قبل صلاة يوم الجمعة المقبلة. فإذا ما أُلغيت صلاة يوم الجمعة ايضا، ستكون هذه سابقة تاريخية. إذ ان المرة الاخيرة التي حصل فيها ذلك، كان في عهد الصليبيين قبل نحو ألف عام.
في فكر الفلسطينيين المقدسيين، حماية الاقصى هي أصل وجودهم. وفي نظرهم، الاقصى هو اكثر من مجرد رمز وطني أو ديني، هو المكان الذي لا يتحرر فيه الفلسطيني المقدسي من عبء الاحتلال. ففي معظم ساعات اليوم، لا نرى في الحرم اي وجود اسرائيلي، خصوصا في المنطقة الخضراء المفتوحة الاكبر في شرقي القدس. ما يشير إلى ان اي تهديد بتغيير الانظمة في هذه المنطقة سيشكل خطرا على هوية المقدسيين وحياتهم اليومية، إذ قال احد سكان منطقة سلوان إن: "الناس لا يسألون كيف حالك او كيف حال الأطفال، بل يسألون ماذا يحصل في المسجد".
في اليوم الاول من المقاطعة، اطلقت دائرة الاوقاف رسالة مزدوجة. الادارة المدنية للاوقاف التابعة للاردن، طلبت من عامليها الدخول إلى الحرم والمرور بالبوابات. فيما أمرت القيادة الروحية، اي الشيوخ المقدسيين، بعدم العبور بالبوابات. اختار عمال الاوقاف حينها إطاعة القيادة الروحية والضغط عليها من الشارع لمقاطعة المكان. ومنذ ذلك الوقت والحرم فارغ تماما. وستصمد المقاطعة بل ستتعاظم في اللحظة التي ستسمع فيها نداءات المؤذن للصلاة يوم الجمعة آخذة في الاقتراب.
أمس أمر مفتي القدس باغلاق مساجد الأحياء يوم الجمعة وتوجيه المصلين إلى بوابات الحرم، ومن المتوقع ان يحاول "العرب الاسرائيليون" الوصول، حتى لو حاولت الشطرة الإسرائيلية منعهم. واحتمال حصول مواجهة عنيفة يوم الجمعة المقبل هو الاكبر. وحتى لو لم تتحقق السيناريوهات الخطيرة، ومرت صلاة الجمعة بسلام إلى هذا الحد، فان موجة العنف القادمة تكاد تكون محتمة.
وفي أيّة حال، تكشف الأزمة عن ثغرات في طريقة اتخاذ القرارات من قبل الجانب الاسرائيلي. فلا حاجة لان يكون المرء خبيرا في تاريخ الحرم كي يتوقع النتيجة. "مرت حالات كثيرة جدا ارادت فيها اسرائيل فرض سيادتها على الحرم من طرف واحد. وانتهى ذلك بتقوي سيادتها على اجزاء جديدة من الحرم"، هذا ما حصل في عهد رئيس حكومة العدو ارييل شارون عام 2000، حيث اغلق الحرم امام الاسرائيليين على مدى ثلاث سنوات"، حسبما قال البروفيسور اسحق رايتر الاستاذ في كلية عسقلان ومعهد القدس لبحوث السياسة. وتكرر ذلك في منطقة جسر المغاربة، ونفق المبكى وغيرهما.
يبدو أن من اتخذ قرار اقفال البوابات الالكترونية يجهل التاريخ ولا يعرف أبعاد ما يقوم به، الامر الذي يثير القلق في هذه الازمة.