ارشيف من :نقاط على الحروف

نحنُ – اللبنانيين – والآخر

نحنُ – اللبنانيين – والآخر

نضيع أحياناً عن الأمور الواقعية، فنتمادى في الحديث في ما بعد الواقع، والحديث عن الواقع أولى في أغلب الأوقات. لم نؤسس نحن اللبنانيين لواقع أمرنا وانشغلنا بما يتجاوزه. أو ربما جعلنا واقع الأمر كما هو أساساً ومشينا على هديه وتجاوزناه قبل التأسيس الفعلي لهذا الواقع. صرنا نتحدث عن الدول وكأن لدينا دولة فعلية قائمة ونظاماً سياسياً أصيلاً لا يشكوان من ألف علّة. وصلنا إلى حد مناقشة الكيانات الصومالية وتحليل الأوضاع السياسية لدول الاتحاد السوفياتي السابق ونحن ما زلنا نتناقش ونتخاصم ونتعادى ونتحارب حول قانون الانتخابات المناسب، لا للوطن ككيان، إنما المناسب لنا كطوائف ومذاهب وزعماء أحياء وزواريب.

نحنُ – اللبنانيين – والآخر

لا نتفق – نحن اللبنانيين – على كلمة أو موقف، ولا حتى على تظاهرة للمطالبة بتحسين وضع الكهرباء أو تخفيض سعر مادة غذائية أو سلعة أساسية، لأنه لو دعت جهة ما إلى التظاهر اعترضت أو انتقدت جهة أخرى، مع أن الهم واحد، والبلاء شامل، فتضيع حقوق المواطنين بين مواقف المسؤولين غير المسؤولة، ويصبح التظاهر لعنةً وسبباً آخر من أسباب الخلاف.
والأمر ليس بجديد، فالانقسام موجود دائماً، منذ ما قبل الاختلاف حول "وجه لبنان" وقفاه، وهل هو عربي أو ذو وجه عربي، ودرسنا ذلك ولم نعلم ما معنى أن يكون لبنان ذا وجه عربي، وكيف يكون الوجه عربياً والقلب شيئاً آخر. وسامح الله الذين أسسوا لهذا، إذ لم يعرّفونا ما وضع المخ اللبناني، هل هو عربي أم ماذا؟

نحنُ – اللبنانيين – والآخر


ويمتدّ الشرخ بين اللبنانيين وصولاً إلى المحيط السوري و"الإسرائيلي"، ويتعداه إلى ما بعدهما، فنختلف بين من يرى في سوريا شقيقة عربية وبين من لا يراها كذلك - أو يراها عربية ولكن... - وبين من يرى في "إسرائيل" كياناً عدواً ومحتلاً لدولة عربية شقيقة وبين من يراها صديقة أو جارة لا بأس من الاستعانة بها ذات شدة. وإذا اضطررنا أحياناً لإضمار مواقفنا وإخفاء مودتنا لهذه أو تلك، ففي القلب ما فيه، مما يظهر في زلات اللسان.

ونأتي إلى الأنكى من كل ذلك، مما ورد أعلاه، أننا نحن – اللبنانيين – لدينا عقدة الخواجة أو الطفل المدلَّل، فنرى أننا أفضل من غيرنا من العرب والعالَمين، وأرقى وأسمى، وهو الأمر الذي ربما يكون من الأمور القليلة التي تجمع بين اللبنانيين – أو أغلبهم – وربما أيضاً يكون وزير الداخلية قد عبر عنه عن غير قصد عندما قال قولته الشهيرة: إنت عارف حالك مع مين عم تحكي؟

 

2017-07-20