ارشيف من :آراء وتحليلات
المقاومة الشعبية من جمال عبد الناصر الى حسن نصر الله
شريف عبد البديع عبد الله - عربي مصري
بدأت فكرة مقاومة الهجمة الغربية شعبياً قبل عبد الناصر بالتأكيد. ولكن مع ثورة يوليو المجيدة وبدء معارك المجد الكبرى من تأميم القناة واستردادها والعدوان الثلاثي الذي تمت مواجهته بشكل شعبي ولدت من رحم هذا العدوان فكرة المقاومة الشعبية الناجحة.
كانت اللبنة الأولى في المقاومة الشعبية أثناء مفاوضات الجلاء مع الانجليز الذين كانوا يحتلون الوطن. وشكّل عبد الناصر كتائب المقاومة الشعبية فيما كان يتفاوض وكأنه يقول للإنجليز إن كلفة الرحيل أقل من كلفة الاحتلال (على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل وإلا عليه أن يقاتل من أجل البقاء).
استدعى عبد الناصر الفكرة ثانية إذ واجه عدواناً عالمياً من ثلاث قوى عظمى وأدرك بديهية المقولة الخالدة (حين تواجه دولة صغيرة عدواناً من قوى عظمى فإن أقصى ما تستطيع فعله هو أن تمنع هذه القوى من تحقيق نصر عليها. إن فعلت ذلك فقد انتصرت).
فالحرب احدى أدوات السياسة كما نعلم والصراعات السياسية هي صراع إرادات، لذلك وزّع مليون قطعة سلاح على المقاومة الشعبية بقيادة ضباط مثل كمال الدين رفعت وكمال الدين حسين ومحمد فائق وسمير محمد غانم وعبد الفتاح ابو الفضل .
وحين مدّ عبد الناصر عينيه خارج الحدود وجد بذرة مقاومة شعبية في الجزائر العظيمة لذلك ساندها لوجستياً وإعلامياً ودبلوماسياً وسياسياً ومادياً. وانتصرت الثورة الجزائرية في "يوليو" شهر الانتصارات أيضاً.
وحين ذهبت قوات الجمهورية العربية المتحدة لليمن لمساندة ثورة اليمن شكَّل عبد الناصر كتائب المقاومة الشعبية من أبناء الجنوب العربي والتي أقضت مضاجع الاحتلال البريطاني في عدن وسلطنة عمان والامارات العربية والبحرين وقطر. ولم يتأخر الحصاد طويلاً إذ خرجت قوات الاحتلال البريطاني من عدن في العام 1967 وتوالى الخروج المهين تحت وطأة ضربات المقاومة الشعبية والتي ضمنت مساندة عسكرية ومادية وإعلامية ودبلوماسية من القاهرة.
وبعد عدوان يونيو 1967 شكّل عبد الناصر مقاومة شعبية جديدة وهي منظمة سيناء العربية والتي كانت تحت قيادة ضباط جيش مصريين وينتمي اعضاؤها الى بدو سيناء الأحرار رجالًا ونساء.
كما تنبه الى أهمية تكوين مقاومة شعبية من أبناء الشعب الفلسطيني تقاوم العدو الصهيوني. واحتضن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وموّلها وسلحها وساندها دبلوماسياً وإعلامياً، بل ومد جسور علاقاتها بالعالم الخارجي.
وبعد "معاهدة السلام" وخروج مصر من الصراع العربي الصهيوني عربد الكيان الصهيوني في المنطقة العربية شرقاً وغرباً.. وكان صداع المقاومة الفلسطينية في لبنان يؤرق العدو فقرر في مارس 1978 القيام بعملية الليطاني وإقامة شريط حدودي عازل يحميه عملاؤه من جيش لبنان الجنوبي.
ولما فشل هذا الخيار قام باجتياح لبنان كله واحتلال بيروت نفسها في العام 1982 . وحتى حين انسحب في العام 1985 تحت ضربات المقاومة احتفظ باحتلال جزء هام من جنوب لبنان.
وهنا ولدت كتائب المقاومة الشعبية وفي القلب منها حزب الله والتي أشرف على تدعيمها بالمال والسلاح إيران الثورة وسوريا.
وتحت وطأة ضربات المقاومة الشعبية المنظمة وفي مايو ايار 2000 خرجت قوات الاحتلال الصهيوني من لبنان دون اتفاق سلام ودون اعتراف بالعدو ودون شروط..
وكان حدثاً مدوياً في الوطن العربي الذي عرف طعم الانتصار بعد عقود من الخيبات والانكسارات وخيبة الامل. وأدركت الشعوب العربية أن الاستسلام للعدو الصهيوني ليس هو القضاء والقدر وأنه كما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله "الكيان الصهيوني هو أوهن من بيت العنكبوت".
لم يتوقف أحد طويلآ أمام درس المقاومة الشعبية خاصة وأن دروس حرب فيتنام وكفاح كاسترو وجيفارا كانت حاضرة ولكن يبدو أن قادة حزب الله استفادوا من دروس المقاومين السابقين.
في أثناء حرب الاستنزاف قال الفريق محمد فوزي إنه يعتبر الجمهورية كلها أرضاً للمعركة ينبغي التعامل معها هكذا وشرع في تشكيل كتائب الدفاع الوطني من المتطوعين لحماية المنشآت الحيوية من التخريب.
وأعتقد أن الجيش العربي السوري قد استفاد من هذا الدرس في صراعه الطويل منذ العام 2011 مدعوماً بحليفه حزب الله .
في العام 2006 حين قرر حزب الله استرداد أسراه ورفات شهدائه من عدو متغطرس لا يعرف إلا لغة القوة قام باختطاف جنديين وطلب استرداد المقاومين الأسرى.
وهنا شنَّ الصهيوني المتغطرس بدعم عربي عدوانه على لبنان وحزب الله متصورآ أنها نزهة وللحفاظ على هيبته التي مرّغها مقاومو حزب الله في تراب العار والمهانة .
وانتصرت المقاومة ثانية ورضخ الصهيوني دون اعتراف ودون شروط لطلبات حزب الله.. واستردت المقاومة أسراها ورفات شهدائها.
ليس أمام الشعوب العربية المقاومة سوى خيار المقاومة الشعبية والتي نجح في تجسيدها حزب الله الذي تحل ذكرى انتصاره المبارك هذه الايام.
فالشعب العراقي الشقيق حتى يتخلص من وكلاء الناهب الدولي (كل المسلحين التكفيريين الاسلاميين) اضطر لتشكيل مقاومة شعبية هي قوات الحشد الشعبي والتي انتصرت على الميليشيات التابعة لبلاك ووتر.
صار حزب الله أسطورة للكفاح حين بادر للدفاع عن الجمهورية العربية السورية وبات لاعباً دولياً فاعلاً ورقماً صعباً في معادلات الصراع مع العدو الصهيوني
إن فكرة المقاومة الشعبية التي بدأت بحزب الله وانتصاره المميز وامتدت لتشمل سوريا والعراق واليمن فكرة ينبغي تعميمها إذا ما ارادت الشعوب العربية مواجهة هجمة المراكز الاستعمارية وأدواتها من الكيان الصهيوني الى جيوش التكفيريين .