ارشيف من :نقاط على الحروف
ما علاقة حزب الله بكوكب المريخ؟
تحرير الجرود.. و"داعشيو" "الكرافات" والشاشات والمكيفات؟
تعانقت أرواح شهداء الوطن، وامتزجت دماء المقاومين الأبطال وجنود الجيش اللبناني البواسل. محطات كثيرة ترسّخت خلالها المعادلة الذهبية، جيش، شعب، مقاومة، لترتفع راية لبنان خفّاقة عالية. في الجبل الرفيع جنوبًا عام 1997 امتزجت دماء وأشلاء الشهداء هادي نصر الله وعلي كوثراني وجواد عازار، وعلى مساحة لبنان العام 2006. واليوم في عام 2017 يتكرر المشهد في جرود عرسال بقاعًا، لتختلط مجددًا دماء شهداء المقاومة، بدماء شهداء الجيش اللبناني ممن سبقوهم ( الرائد بيار بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرما والجندي علي البزال). شهداء سقطوا ويسقطون على مذبح الوطن، لأسمى وأنبل وأشرف وأطهر غاية، قبلتهم الدفاع عن حدود الوطن، وجميع أبنائه اللبنانيين، وبوصلتهم مواجهة أخبث تهديدين للبنان "اسرائيلي" أصيل و"تكفيري" وكيل.
منطق التاريخ يقول إنه حينما يتعرض الوطن للخطر، ويهدد وجود أبنائه، يتضامن هؤلاء معاً للحفاظ على حياتهم ووجودهم. فالدفاع عن النفس غاية سامية مستقرة في الطبيعة البشرية وتقرها الشرائع الوضعية والأديان السماوية. ولا يحتاج الدفاع عن الوطن إلى إجماع واستفتاء وطني، ولا موقف دولي، ولا الى قرار دولة، ولا يجدي هنا النقاش حول شرعية السلاح من عدمها، إنما الأجدى توفير الغطاء والالتفاف الوطني كما فعل أهل القاع ووطنيون كثر. ومع كل ما يجري من إرهاب يهدد البلد ومواجهة بطولية من قبَل المقاومة لا يقدّر بعض "غربان" الوطن في نعيقهم اليوم، عظيم التضحيات والدماء التي سالت وتسيل في سبيل لبنان ولبنانييه في معركة جرود عرسال، فيحاضرون بالعفة، ويَرشحون "وطنية" زائدة و"عروبة" فائضة، جعلتهم مؤخرًا وأخيرًا يستذكرون القدس وفلسطين بعدما نسوهما لعشرات السنين.
يجهد هؤلاء في التنظير وتظهير "وطنيتهم" و"حماستهم الفائقة" للدفاع عن وطنهم لبنان، بالطبع ليس من ميادين جرود عرسال الحامية، ولا ساحاتها الملتهبة، بل بادعاءات وسخافات يروجونها من على منابر وشاشات وهم قابعون تحت المكيفات، أو في صفحاتهم "الصفراء" وسجلاتهم السوداء، ويتناسون أن الأمن نعمة يحيون فيها ببركة دماء الشهداء
أقزام جاحدون، يتبجحون ويتطاولون اليوم على الشاشات، يعملون على "مكيجة" و"تجميل" مواقفهم المغمّسة بحقدهم الدفين، مغلفين "داعشيتهم" السياسية والفكرية بالحديث المنمق، ويربطون خلفية المعركة الدائرة في "الجرود" بكل قضايا ومصالح الكون أجمع، إلا المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، وكأن المقاومين ليسوا من عرين هذا الوطن وليسوا من أبنائه، أو كأنهم يخوضون المعركة ليس للدفاع عن أرض لبنان، بل لتحرير كوكب آخر، المريخ ربما، ويتجاهلون ايضًا وبكل أسف أن تحرير الجرود يوفر الأمن والاستقرار لأهالي عرسال بالدرجة الاولى، والبقاع عمومًا بالدرجة الثانية، ولن ينعم به لا "سكان الفضاء"، ولا الإيرانيون، ولا العراقيون، ولا أي أحد في هذا العالم غير أهل هذا الوطن بجميع أطيافه ومناطقه.
ينسى "دواعش السياسة" وأصحاب الاقلام المأجورة، أو يتناسون عمدًا أن ما يقوم به المقاومون الابطال وجنود الجيش اللبناني اليوم هدفه إزالة تهديد داهم، تجلى بتفجيرات انتحارية طالت على مدى سنوات ليس فقط الضاحية الجنوبية، بل بيروت، والبقاع ومختلف المناطق اللبنانية، وأصابت جميع اللبنانيين على السواء، كما تجلى بحجم المؤامرات لاعلان إمارات "داعشية" ارهابية في طرابلس وعكار وعرسال، ويتبجحون اليوم بالحديث عن حصرية قرار الدولة بالحرب والسلم، وكأن المقاومة ومعها الجيش بحاجة الى قرار أو الى إجماع وطني لإزالة تهديد جاثم على صدور اللبنانيين يهدد وجودهم وأمنهم بكل فئاتهم ومناطقهم. والأنكى حينما يصيبهم فجأة داء "الزهايمر" وفقدان الذاكرة، إزاء ما عاناه اللبنانيون، حينما انتظروا طويلاً هذا القرار، فوصلت دبابات العدو الاسرائيلي الى بيروت عام 1982 ولم يصدر، وأنهم لو عاودوا اليوم الى الرهان على الانتظار مجددًا سيذوقون مرارة وصول إرهاب "داعش" و"جبهة النصرة" الى بيروت، ويحل بهم ما حل بالإيزيديبن والمسيحيبن والأكراد والسنة قبل الشيعة في كل من العراق وسوريا ومصر، ولن يأتي القرار. ما يقطع الشك باليقين، أن حق الدفاع عن النفس ليس بحاجة لقرار لا دولة ولا مجتمع دولي، فهو حق أقرته كل الاديان السماوية وطبيعة الإنسان البشرية، قبل أن تقره المواثيق والشرع والعهود الدولية، وهو ما يشرعن أي سلاح يستخدم في ممارسة هذا الحق ولو كان حجرًا أو سكيناً أو منجنيقاً.
يتجاهل "شذاذ الآفاق" عن عمد أن المبادرة كانت بيدهم لسنوات ولم يحركوا ساكنًا ولم يطالبوا بإطلاق رصاصة واحدة أو شن حرب على الارهابيين في جرود عرسال، ما يطرح تساؤلات حول ما الذي فعله مدعو الحرص هذه الايام على سيادة الدولة والجيش، حيال الاعتداءات المتكررة والارهاب الذي تعرّض له أهالي عرسال، أو الهجمات على الثكنات العسكرية التي تخللها أسر جنود للجيش اللبناني لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة. ولماذا حينما كانت الجرود محتلة وعرسال رهينة في أيدي الارهابيين، باعتراف وزير الداخلية نهاد المشنوق نفسه، لم نسمع على مدى تلك السنوات أصوات طنانة رنانة بشعار السيادة كما سمعنا في اليومين الاخيرين؟ ولمَ جرى التغاضي عن تحرير تلك المنطقة، رغم أن الارهابيين عاثوا فيها فسادًا وقتلًا وتخويفاً لاهلها واعتدوا على ممتلكاتهم ونهبوا ثرواتهم واستهدفوا جيشهم؟ لما لم نسمع مدعي الحرص على السيادة ينطقون ولو بحرف، طوال تلك المدة، فهل كان الوضع القائم هناك يناسبهم ويصب في مصلحتهم سياسيًا؟ وهل كانوا متواطئين وربما مساهمين في ذلك؟.
وليس أحقر من اولئك الذين يصِمون المقاومة في عز المعركة بالارهاب وهي تحميهم، بترفّعها ومقامها العالي، أو أسخف من اولئك الذين استفاقوا فجأة على الاعتداءات "الاسرائيلية" في القدس والاقصى، ليس من باب التضامن مع الفلسطينيين الذين قدمت لهم المقاومة ولا تزال ما لم يقدمه لهم أحد في هذا الكون، بل من باب المزايدة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، من خلال ربطها بمعركة عرسال، بعدما باعوا القضية، وتاجروا بها على مدى 70 عامًا. ولعل الفلسطينيين سيشكرون حزب الله اليوم لأنه ببركة شهدائه وفتحه معركة جرود عرسال، أنعش ذاكرة هؤلاء، بأن هناك بلدًا محتلة اسمها فلسطين وأن هناك مقدسات تنتهك في كل يوم.
في المحصلة، لا شهادة وطنية تعلو او تفوق عظمة السقوط في معركة الواجب، فحينما نادى الواجب جنوبًا عام 2006 هبّ اللبنانيون من كل المناطق لتلبية نداء الواجب، واليوم يلبي النداء أبناء الجنوب والبقاع وكل المناطق لتحرير الحدود الشمالية الشرقية بقاعًا. وفي كل مرة يستدعي الواجب ستجدهم يهبون من جديد.
أما في المقلب الآخر، مقلب الخونة و"المتآمرين، فهناك دواعش، ولا فرق بين "داعشي" بسكين و"داعشي" بـ"كرافات زرقاء او حمراء"، طالما أن كليهما امتهن في السر والعلن، وفي السلم والحرب، خيانة الوطن وشهدائه، فشاي مرجعيون، و"قبلة كونداليزا" و"موائد عوكر"، و"دموع التماسيح" في تموز 2006، لا تزال ماثلة أمام جميع اللبنانيين حتى يومنا هذا، وكل الصراخ والعويل اليوم في خضم معركة الجرود والتستر خلف شعارات سيادية واستقلالية برّاقة، لن يحجب شمس تموز المشرقة التي تضرب موعدًا مع عرس ونصر جديد تهديه المقاومة لكل اللبنانيين كما دأبها، ولن يمحو الحقيقة المرة والمؤسفة أن نعيق "المتدعوشين الجدد" وصراخهم وعويلهم لا يخدم سوى أعداء الوطن، وينحر أبناءه، ما يجعلهم شركاء في الجريمة، ويضعهم في خانة العملاء الخونة ويفضحهم أمام الملأ.