ارشيف من :آراء وتحليلات

هل سيفعلها..الأكراد؟؟

هل سيفعلها..الأكراد؟؟

دولة كردستان" حلم " يراود الأكراد في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا منذ عشرات السنين، على أن تشكل كردستان العراق النواة الصلبة لھذه الدولة ومركز الجذب والاستقطاب للأكراد الموزعين بين تركيا وإيران وسوريا، ولطالما اصطدم ھذا "المشروع  الحلم" الكردي بالواقع الصعب وباتفاق ھذه الدول الثلاث على محاربة الدولة الكردية حتى وھي مجرد فكرة ومشروع لأنھا ستكون دولة عابرة للحدود، وستقتطع من ھذه الدول مناطق حدودية واسعة، وستكون سببا في زعزعة استقرار المنطقة.

لكن أولاً، كيف بدأت استعادة "المشروع الكردي" في منطقة الشرق الأوسط؟

شكل الاحتلال الأميركي للعراق منذ العام 2003، أول نقطة تحوّل واقعي ومھم في استعادة المشروع السياسي للأكراد، الذين كان لھم دور أساسي في معادلة العراق الجديد، عراق ما بعد صدام حسين عبر تحالف غير مسبوق مع قوى السلطة.

واستفاد الأكراد في شمال العراق طيلة فترة الاحتلال الأميركي لترسيخ دعائم "إقليمھم"، فبينما كان العراق يغرق في فوضى الاقتتال والعنف، كان الإقليم الكردي ينعم باستقرار أمني ورخاء اقتصادي وتحوّل الى مركز جذب للاستثمارات خصوصا في قطاعات النفط والسياحة والاتصالات.

 

هل سيفعلها..الأكراد؟؟

دولة كردستان" حلم " يراود الأكراد

وبعد الانسحاب الأميركي حاول الأكراد إكمال ما بدأوا به، وأرادوا تكريس مكتسباتھم وتشريعھا عبر وضع المادة 140 من الدستور التي تتعلق بوضعية المناطق المتنازع عليھا بين أربيل وبغداد موضع التنفيذ، ما يعني وضع مدينة كركوك الغنية بالنفط تحت السيطرة الكردية، وعبر مزيد من الإجراءات "الاستقلالية" وفي مقدمھا تصدير وبيع نفط كردستان مباشرة الى الخارج عبر تركيا ومن دون المرور بالمركز والحكومة في بغداد. لكن توجھات وطموحات الأكراد اصطدمت بحكومة المالكي التي أحكمت قبضتھا على السلطة المركزية وتحوّلت في اتجاه الحد في النزعة "الاستقلالية" لدى كردستان واستيعاب طموحاتھا الزائدة وتطويعھا.

هذا ما دفع البارزاني قبل بروز "داعش"، إلى إعطاء إشارات كافية بأن التحالف بين أربيل وبغداد آخذ في التآكل والتفكك، وجاءت الحرب لتثبت أن ھذا التحالف انتھى على أرض الواقع، وأن الأكراد تحوّلوا الى حسابات جديدة والى تموضع جديد مرفقا بتحرك ميداني لوضع اليد على كركوك وإلحاقھا كأمر واقع بكردستان واعتبارھا جزءا لا يتجزأ منھا.

ھذا الإجراء جاء مكملا لإجراء آخر تمثل في تصدير النفط عبر ميناء جيھان التركي الى "إسرائيل" التي تربطھا علاقات وصلات مع كردستان في مجالات كثيرة عسكرية واستخباراتية واقتصادية، والتي كانت السبّاقة الى تأييد الدولة الكردية المستقلة والتشجيع على موقف أميركي مساند لھا، مع أن إدارة أوباما أظھرت تحفظا واعتراضا على إعلان الدولة الكردية لأنھا ستساھم في تعقيد وتفجير الوضع أكثر في العراق والمنطقة.

كذلك جدد الاتحاد الأوروبي رفضه استفتاء إقليم كردستان واعتبره خطوة أحادية للانفصال عن العراق، وتلقت حكومة أربيل بالمقابل نصائح وتحذيرات إقليمية ودولية بعدم الانزلاق الى مشروع الانفصال والدولة المستقلة التي سيسھل ضربھا وعزلھا، والاكتفاء بترسيخ الإقليم الكردي في إطار "عراق فدرالي" يكون موزعا الى ثلاثة أقاليم كبيرة: إقليم شيعي في الجنوب وسني في الوسط وكردي في الشمال.. خصوصا وأن الأحداث التي جرت في "مرحلة داعش" أدخلت تغييرات كثيرة على مشھد العراق وخارطته، وجعلت من العودة الى الوضع السابق غير ممكنة، ومن مصلحة الأكراد الاستفادة من ھذه التطورات لا للدفع في اتجاه دولة ممنوعة ومستحيلة، وإنما لتثبيت ما أخذوه وتحصيل مكاسب جديدة.

هل سيفعلها..الأكراد؟؟

أكراد يقاتلون تنظيم "داعش" في سوريا

لكن البارزاني أبدى تصميما على المضي قدما بخيار الانفصال وإعلان كردستان دولة مستقلة في الاستفتاء الشعبي الذي سيجري نھاية أيلول المقبل، معتبرا أن اللحظة التاريخية التي طال انتظارھا قد أتت، وأن الفرصة السانحة الآن في ظل الفوضى العراقية والارتباك الإقليمي والانشغال الدولي نادرة وينبغي اقتناصھا دون تردد وتأخير، وإلا فإنھا ستضيع ولن يكون بالإمكان تعويضھا لسنوات وعقود.

ويرى مراقبون أن تركيا وإيران ھما أكبر المتضررين من تشكيل دولة كردية مستقلة في شمال العراق، نظرا إلى وجود نسبة كبيرة من الأكراد في كلا الدولتين، الأمر الذي قد يؤدي إلى دعوات مشابھة من قبلھم.. وفي مقابل ھذه الدعوات، فإنّ الرؤية في بغداد تقود إلى خلاصات أخرى، حيث يرى المتابعون أنّ إقليم كردستان يحتفظ بحكم ذاتي موسع منذ العام 1991، ووصل ھامش السلطات المكتسبة حاليا إلى مستوى التمتع بصلاحيات الدولة المستقلة.

أما في سورية فقد وفرت الأزمة السورية فرصة تاريخية للأكراد لتحقيق آمالھم وتطلعاتھم الاستقلالية، فمجمل المشھد السوري يوحي بأنھم الرابح الأكبر، حتى الآن، لجھة السيطرة على مناطقھم، وبناء ما يشبه حكمًا ذاتيًا في إدارة ھذه المناطق.

والثابت أن أكراد سوريا، وللمرة الأولى منذ اتفاقية سايكس - بيكو باتوا يجدون أن منطقتھم أصبحت مفتوحة مع المناطق الكردية في إقليم كردستان العراق، وإلى حد ما، مع المناطق الكردية في تركيا التي تشھد حركة تضامن غير مسبوقة مع أكراد سوريا بدأت بعد معركة كوباني - عين العرب.. ھذه المعركة اعتبرت بداية مرحلة جديدة بالنسبة لأكراد سوريا ونقطة تحول في مسيرتھم الاستقلالية.

هل سيفعلها..الأكراد؟؟

رئيس اقليم كردستان العراق مسعود برزاني

واليوم، أحرزت القوات الكردية تقدما جديدا في الرقة مع إحكام سيطرتھا على الأحياء الجنوبية، ومع اقتراب معركة الرقة من نھايتھا تتجه الأنظار إلى اليوم التالي لتحرير المدينة من "داعش"، في ظل صراع علني مضمر بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين على تركة التنظيم، ليس في المدينة فحسب، وإنما في عموم المحافظة.

وسيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأھم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزة إلى الآن عن تقديم خيار واضح ومحدد، تبدو تركيا عاجزة أيضاً عن بلورة خطوات على الأرض تحول دون ھيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة.

ويزداد المشھد تعقيداً مع دخول الجيش السوري إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوة تبدو ظاھرياً منع "داعش" من الھروب نحو البادية، لكنھا تحمل أبعاداً أعمق من ذلك، فالنظام لا يريد أن يصبح مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي - الكردي - التركي.

المسألة هنا أعمق من انفصال الأكراد في العراق وتشكيل دولتهم من خلال اقتطاع أراضٍ حدودية من العراق وسوريا وتركيا وايران، فھذا التطور لا ينبئ فقط بتحوّل جذري في خارطة العراق ومستقبله ككيان ونظام، وإنما يشي بتغيير في خارطة المنطقة الجيوسياسية ھو الثاني من حيث الأھمية والحجم منذ مئة عام.. فدولة كردستان في حال قيامھا ستكون التغيير الثاني المھم في منطقة الشرق الأوسط بعد كيان "إسرائيل" وستطلق إشارة البدء لـ"شرق أوسط جديد" يختلف عن "شرق أوسط سايكس-  بيكو".

لكن قوى المقاومة والتوحيد تشهد تصاعدا في سوريا والعراق قادر على احتواء الحالة الكردية عسكريا او سياسيا.. فهل سيكون الاكراد بداية حل في المنطقة او بداية تفجير جديد؟

2017-08-06