ارشيف من :نقاط على الحروف
السيادة المطاطة
كشفت عملية تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية وجرود منطقة عرسال من البؤر الارهابية عن الخلل الذي يعتري مفهوم السيادة الوطنية وكيفية احترام وتطبيق مبادئها لدى بعض شرائح المجتمع في لبنان، كما كشفت عن مدى الانقسام المزمن في تفسير الانتماء والهوية وسبل الدفاع ودرء المخاطر عن الوطن، ما شكل هوة كبيرة اسهمت في تباعد اللبنانيين فيما بينهم وذلك حسب انتماءاتهم الى تيارات واحزاب مختلفة، انقسمت فيما بينها بين مؤيد لعملية التحرير وبين معارض لها وللدور المتقدم الذي قامت به المقاومة اللبنانية في طرد الارهاب وازالة البؤر الارهابية التي شكلت تهديدا جدياً على الامن القومي في لبنان لاكثر من اربع سنوات متواصلة.
أعادت عملية تحرير الجرود التمترس في الداخل اللبناني الى الواجهة، فالمشكلة في لبنان تكمن في القرار السياسي اللبناني المنقسم اصلاً حول حماية لبنان وصون سيادته، بين من يرى ان يقدم المصلحة الوطنية العليا الاستراتيجية انطلاقاً من الحس الوطني العالي المتمثل بالمعادلة الذهبية (الجيش والسعب والمقاومة)، وبين من يرى ان اي عمل عسكري لمواجهة الارهاب (الذي يحتل اجزاء واسعة من الجغرافيا اللبنانية مهدداً الامن القومي اللبناني عبر اساليب قاتلة المتمثل بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة اضافة لزرع الفوضى والتحريض على الفتنة) يجب ان يحظى بتوافق داخلي لبناني قبيل اتخاذ القرار الموحد لأي عملية عسكرية ضده، كما يصرّ البعض على حصر المسؤولية في اي معركة او مواجهة عسكرية ضد الارهاب بالجيش اللبناني ويعزو هذا البعض ان الحيش اللبناني وحده يمتلك الحق الحصري دون سواه في حماية السيادة الوطنية.
جندي من الجيش اللبناني
واذا ما أخذنا بعض الاصوات التي انطلقت تنادي بحصر اي عملية عسكرية ضد التنظيمات الارهابية بالجيش اللبناني.. صحيح ان الجيش في اي بلد هو المكلف بحماية السيادة واستقلال للوطن من اي تهديد خارجي ومن اي جهة اتى التهديد، وإن الكلام عن حصر الاعمال العسكرية الدفاعية عن الوطن بالجيش هو كلام حق لكن المراد منه باطلاً بكل المعايير والمقاييس الوطنية، والسبب هو غياب القدرة على اتخاذ القرار السياسي الذي يشكل غطاء مهماً لأي قرار يتخذه الجيش في شن الحروب والدفاع عن سيادة الوطن وحمايته.
في ظل الاختلافات والمناكفات السياسية الحاصلة بين مختلف الاطراف والتيارات والاحزاب السياسية حتى في أبسط الامور التي تهمّ المواطن لتحسين سبل عيشه او مسألة التعيينات في الادارات والسفارات، كيف يمكن لهذه الطبقة السياسية الغارقة في ملفات الفساد المستشري وعدم قدرتها حتى على الاقرار بحقوق الشعب مثل سلسلة الرتب والرواتب او اقرار الميزانية العامة للدولة، ناهيك عن الصفقات المشبوهة في كافة مرافق الدولة، وكيف يكون لهذه الطبقة السياسية -التي تفوح منها رائحة الفساد السياسي والاقتصادي- القدرة على اتخاذ قرار توافقي على المستوى الوطني في حماية السيادة، خاصة ان تجارب تلك الطبقة في كل الفترة السابقة اثبتت ارتباطها والتزامها بتنفيذ اجندات لصالح دول اقليمية خليجية واوروبية وامريكية، حتى وان كانت تلك الاجندات تضر بالمصلحة الوطنية، أو تضر في الحفاظ على السيادة الوطنية التي أضحت منتقصة ومطاطة غب الطلب حسب ارادة ورغبات ومصالح دول اقليمية ودولية الا الدولة اللبنانية.
هؤلاء انفسهم نفذوا اوامر دول خارجية بالضغط على قيادة الجيش لمنعه من القيام بأي عمل عسكري من شأنه القضاء على التنظيمات الارهابية في وقت مبكر، وهم أنفسهم من سمح للتنظيمات الارهابية بالتغلغل بين مخيمات اللاجئين لتكون لهم ملاذا آمنا، وهم من كال الاتهامات لكل من حذر من وجود ارهاب في لبنان وكل من قال ان الوطن اصبح ممرا ومستقرا للارهاب.. هؤلاء أنفسهم قاموا بتعطيل اي عمل عسكري للجيش من اجل تحرير الاسرى المختطفين من عناصره انقاذا لسمعة المؤسسة العسكرية وانقاذا لسمعة الوطن وسيادته، وجعلوا من السيادة الوطنية ألعوبة مطاطة تخترق في قرار وزمان ومكان معين وتصان بقرار وزمان ومكان آخر، وذلك حسب تعليمات الدول المشغلة لهم..
هؤلاء فقدوا الحس الوطني كما انهم فقدوا الوجدان الوطني، هؤلاء لا يريدون تحرير الوطن من الارهاب بل نستطيع القول انهم هم انفسهم ارادوا لهذا الارهاب ان يعشعش ويبقى على أرض الوطن تنفيذاً لأوامر خارجية ظناً منهم أن باستطاعتهم استعمال هذا الارهاب في مواجهة المقاومة، التي باتت تشكل توازن الردع مع عدو الوطن والامة "اسرائيل".
ان اي جيش بالعالم تعجز قيادته عن تأمين الغطاء السياسي والاجماع الوطني في تنفيذ عملياته العسكرية الهادفة الى حماية الوطن وصون سيادته، فان مقاومة اي اعتداء على الوطن وسيادته تصبح حقاً شعبياً مشروعاً، وتتطلب ايجاد مقاومة شعبية تستطيع اخذ المبادرة درءا للاخطار المحدقة بالوطن وصونا لسيادته وحماية شعبه، وذلك بانتظار اعادة تكامل العمل بين قيادة جيش تمتلك القدرة على فصل الانقسامات والمناكفات السياسية عن اي قرار عسكري يخص امن الوطن، وبذلك ينتظم العمل والقرار بين الجيش والشعب المقاوم، فيتشكل بذلك الدرع الواقي للوطن لكل الوطن وحماية سيادته من اي اعتداء خارجي كان ام داخلي وهذا ما يحصل في ظل القيادة الحالية للجيش اللبناني.
المشكلة إذًا هي القرار السياسي في لبنان، ولو انتظرنا التوافق الداخلي لأخذ المبادرة بمحاربة الارهاب لأمكننا مشاهدة التنظيمات الارهابية تسرح وتمرح في شوارع العاصمة بيروت، مهددة الامن ومخترقة للسيادة الوطنية في اي زمان ومكان.
إن ما اقدمت عليه المقاومة اللبنانية في جرود عرسال انقذ لبنان من فتنة مقيتة كانت معدة ومحكمة للنيل من الوطن وسيادته وشعبه، وان نجاح رجال المقاومة في مهمتهم بسرعة لافتة وبأقل الخسائر الممكنة جعل من سيادة الوطن سيادة عصية صلبة ومصانة.
لذا فمن واجب كل مواطن لبناني مخلص لوطنه وسيادته ان يتقدم بالشكر والامتنان الى قيادة المقاومة ورجالها وشهدائها وجرحاها.