ارشيف من :آراء وتحليلات
اتفاق باريس بين حفتر و السراج.. خطوة إلى الوراء
اتفق جل الخبراء والمحللين على أن التقارب الجديد الحاصل في ليبيا بمباركة قوى دولية وإقليمية ليس كافياً لحل الأزمة التي طال أمدها في ليبيا. لكنه في كل الأحوال أمر محمود باعتباره يخفف جزءاً من الإحتقان الحاصل بين فرقاء الأزمة التي تتدخل فيها أطراف خارجة عن سيطرة حفتر والسراج اللذين لا يختزلان وحدهما كل ليبيا.
ويدخل اتفاق باريس الأخير الذي جمع حفتر والسراج برعاية فرنسية في هذا الإطار، أي أنه يساهم في تخفيف الإحتقان لكنه لا يحل الأزمة. كما أنه في نظر البعض حملة علاقات عامة يقوم بها الإيليزيه لتلميع صورة ساكنه الجديد، الشاب الذي يبدو بحاجة إلى الظهور بمظهر القادر على حل الأزمات لاكتساب ثقة الفرنسيين التي بدأت تهتز وبدأ معها الحديث حول مدى قدرة هذا "الفتى اليافع" على إدارة دولة كبرى بحجم فرنسا.
من وحي الصخيرات
ويبدو ان الراعي والطرفين الليبيين لم يأخذا العبرة مما حصل في الصخيرات المغربية حيث حصلت لقاءات برعاية أممية تمخض عنها اتفاق فاشل أتى بالسراج لكنه لم يجد طريقه إلى التطبيق. ولعل من أسباب فشل حوار الصخيرات واتفاقه أنه لم يجمع كل الفرقاء الليبيين واختزل المشهد السياسي بحفتر والبرلمان المرابط في طبرق من جهة والطرفين الإخواني والتكفيري من جهة أخرى.
ففي ليبيا على سبيل المثال تشكيل جديد هو مجلس القبائل الليبية الذي يضم أطيافا واسعة من وجهاء القبائل في بلد عمر المختار، والذين لهم وزنهم في الشارع، وقادرون على المساهمة في الحل. كما أن في ليبيا مجتمعا مدنيا موجودا في الميدان أيضا، وهو محايد ويضم نخبا لا يستهان بها، ويمكنه أن يدفع باتجاه الحل مثلما حصل في تونس رغم أن هذه المنظمات والجمعيات تعتبر حديثة العهد، وليست لها عراقة نظيرتها التونسية.
خلاف أوروبي
كما تضمن اتفاق باريس، الذي يبدو أنه أعد على عجل وكان آخر هم من أعدوه النجاح في تحقيق استقرار ليبيا، بنودا لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع ومنها الإلتزام بنزع سلاح الميليشيات ووقف إطلاق النار، وهو التزام لا يمكن لحفتر والسراج تنفيذه باعتبار أنهما لا يسيطران على كل الميليشيات في ليبيا. كما لا يمكن تنفيذ بند إجراء الإنتخابات لأن اتفاق باريس لم يتضمن خارطة طريق لإجراء هذه الإنتخابات، كما لم يتضمن مواعيد مضبوطة ولم ينص على ضرورة وجود دستور للبلاد تتم على أساسه هذه الإنتخابات.
كما أن اتفاق باريس خلق أزمة بين المستعمر السابق لشمال ليبيا (إيطاليا)، والمستعمر السابق لجنوب ليبيا (فرنسا). فالمعارضة الإيطالية تحمل رئيس حكومتها مسؤولية استفراد الفرنسيين بالملف الليبي والتصريحات الرسمية الإيطالية لا ترحب بما حصل في باريس. لذلك هرع السراج الذي عرف بأنه رجل إيطاليا إلى روما للتخفيف من حدة التوتر ولإقناع الإيطاليين على ما يبدو بأنه ما زال على العهد. كما سارعت باريس إلى طمأنة الإيطاليين الذين نسوا مثلما نسي الفرنسيون أنهم ينتمون إلى اتحاد أوروبي لم تصمد مبادئه أمام البترول الليبي الذي أسال لعاب الطرفين اللذين يتسابقان على الإستفراد بهذا الملف ونيل أكثر ما يمكن من الغنيمة.