ارشيف من :آراء وتحليلات
أسئلة القناة الحرجة
أحمد فؤاد (*)
تضاعفت عوائد قناة السويس الجديدة كما يقول الرئيس أم تراجعت؟ هل نحسب العوائد بالجنيه كما يفعل السيد "مميش" أم بالدولار كما يقول العقل والمنطق؟ هل نحتفل بالقناة كما قرر إعلاميو النظام أم ننتحب كما تطالبنا معارضة قنوات تركيا وقطر؟
ما سبق يلخص واقع الحال في المحروسة، كلما هلت ذكرى حفر تفريعة القناة الجديدة. وفي بؤس السؤال و"تفاهته" تتمحور لحطة الأمة المصرية التي عجزت عن عبور النفق المظلم، وفقدت الخريطة في الوقت ذاته، فبقيت مرتهنة لتيه عميق، تنتظر أول عابر سبيل ينتشلها من الثقب الأسود الذي أضاعت نفسها فيه.
الأسئلة المنطقية سيطرت على فضاء الفعل في بلد باتت تعاند نفسها، قبل أن تعاند حقائق التاريخ وضرورات المنطق، لتعمق الأزمة الحادة التي تُغيّب كل حل ممكن، ونسي المتسائلون أن يطرحوا السؤال الأساس: أين نقف، وإلى أين نريد أن نمضي.
هل تريد مصر الآن أن تستمر في تبعيتها للخارج، كما يؤطر مشروع خدمي مثل قناة السويس؟ وهل نحن قادرون على دفع كلفة القرار المستقل والاتجاه نحو مشروعات صناعية وزراعية تحتاج لسنوات –وربما عقود- كي تنضج ثمارها؟ للأسف فإن الانقسام المسيطر على الشارع المصري لم يترك للمستقبل محلًا من الإعراب، الكل يبحث عن يومه، وفي هذا الوضع ضاع الغد.
ببساطة متناهية، "قناة السويس" في الأصل مشروع خدمي، يقف شاهدًا على اقتصاد ريعي متخلف تابع للمراكز فقط، لا يفيد في أي تنمية، ومهما بلغ شأو أرقام النمو المتحقق، ستُبقي حال اقتصادنا تابعا للمراكز المالية العالمية، وعبدا دائما للسوق المحكومة من الخارج. الحل المنطقي والمجرب يتمثل في تنمية إقليم القناة، استغلالا لموقعه وأهميته، وإقامة مشروعات صناعية ولوجيستية، تحولنا للاعب على الساحة، عوضًا عن الاكتفاء بدور صبي جمع الكرات في الملعب.
تراجعت عوائد القناة. هذا مؤكد بالأرقام. العوائد تراجعت من 5.46 مليار دولار في 2014 إلى 5.005 مليار دولار في 2016، وفشلت المنطقة الاقتصادية في جذب أي مشروع، ولو كان نشاطًا تجميعيًا، ومذكرات النوايا لم تتحول على الإطلاق إلى آلات تهدر وشباب يعملون.
ذهب جراء الفشل أحمد درويش، واحتل مميش منصب رئيس المنطقة الاقتصادية للقناة بجانب منصب رئيس هيئتها، واستمر كما عهدناه يمضي من فشل لمصيبة ويختم كل تصرف بكارثة، ثم يستدعي الجيش في مواجهة أقل نقد، ولو كان نقد الغيور المحب.
الحقيقة الأنصع من ضوء الشمس في نهارات أغسطس الحارقة، أن مشكلة وطننا وأزمته ومصيبته فينا، في كل مواطن، ولا أحد بريء، أشبعونا تعليما وتربية على النصف موقف، والنصف فعل، والنصف طريق، حتى بتنا أمة لا تفعل ولا تقف ولا تعبر، صرنا مجمدين كفيل الماموث، خارج الزمن والسياقات المنطقية، بل والكوكب ذاته.
زيادة عوائد المرور في القناة أو ثباتها، جدوى التفريعة الجديدة أو عدمها، تشبه حالنا أمس وأمس الأول مما جرى في يناير 2011.
الأمثل الآن هو طرح الحلول، وترك الرطان الفارغ لأهل الفضائيات وأصحابها، فاقدي الحس، من أحالوا حياتنا إلى محض لغو وجدل لا طائل منهما ولا جدوى، سوى أن جعلونا عبيدا في نفس الدائرة العدمية، التي نلتف وندور بها حول اللا شيء..
الأزمة في كل مصري، بداخل أرواحنا التائهة، بفعلنا أكثر منه تخطيط أعدائنا. بداية كسر الدائرة الجهنمية هو أن تؤمن يقينا بصغر تضحياتك لوطن أعز وأقدس من أي شيء آخر، أن تكسر التحالف الأبدي بين المفسدين، أن تعلي الحق على ما عداه، أن تعمل في مكانك على أنك رئيس ولا مسؤول سواك، تعبد الوطن، والوطن في ذاتك، أن تكد وتجتهد لأن مصر تستحق ذلك، مشاكلنا لن تُحل إلا ببناء جديد في سياقات مختلفة تماما، أساسها العدل والإصرار والسعي لرفعة الوطن.
شعب لا يعمل هو شعب بالضرورة لا يستحق الحياة ذاتها.
(*) صحافي مصري