ارشيف من :نقاط على الحروف

ملامح الانتصار في الضاحية الأبيّة بعد 11 عاماً

ملامح الانتصار في الضاحية الأبيّة بعد 11 عاماً

لعلك حين تَسأل أحد المُقيمين في الضاحية عمَّا كانت عليه بعد حرب تموز مباشرة سيصف لك المشهد على أنّه "مرعب". كيف لا وهو غير قادر على أن ينسى الدخان المتصاعد من بين الركام، الجدران المدمرة، الأثاث الممزق، والرماد الذي غطى المكان وحاول إخفاء ملامحه. كلّها تفاصيل لا يمكن إلا أن يستذكرها من عايش حرب تموز 2006 وعاد بعدها ليطمئن على منزله في الضاحية الجنوبية. أو يبحث بعد ثلاثة وثلاثين يومًا عن شيء مما تبقى له هناك.

لا بدّ أن يكون قد التفت الزائر حينها إلى شجرة صامدة بالقرب من باحة الشورى، بقيت وحيدة بين أبنية تحولت ركامًا في تموز 2006. تدخل اليوم الباحة أو ما يدعى بالأمانة العامّة قديمًا، فإذا بك تراها بعد أحد عشر عاما كما هي. بينما تجد كل ما حولها قد تغيّر. الأبنية، الشوارع، المحال التجارية، ازدهت الضاحية بشكلها بعد أن كانت حطامًا. فعادت المنطقة "أجمل مما كانت"، وصار المربع الأمني الذي لا يتجاوز 112 ألف متر مكانًا يعبق بالأمل.

ملامح الانتصار في الضاحية الأبيّة بعد 11 عاماً

ضاحية الصمود

بعض أبناء الضاحية كانوا كتلك الشجرة التي كان خيارها إما البقاء أو الموت وقوفًا. منهم عائلة نور الدين التي أبت ترك المنطقة في تموز 2006، فكانت ضحية لهمجية العدوان الصهيوني. يحكي أحد المقربين من العائلة رافضًا ذكر اسمه، عن مدى تعلّق العائلة بالمنطقة. "فهم لم يتركوا منزلهم الكائن في مجمع الامام الحسن (ع) حتى منتصف الحرب." ويتابع "وبعد القصف المبرح لحارة حريك قرروا الانتقال إلى الشياح، لكنهم كانوا يطلون على المنزل كل فترة." الحرب التي لم تثنِ عائلة نور الدين عن الاطمئنان عن مسكنهم، تسببت بمقتل هذه العائلة المؤلفة من خمسة أشخاص بينهم أطفال، فارتقوا شهداء في الثالث عشر من آب. يقول: "كانوا حينها ينظفون المنزل مستعدين للعودة، مع انحسار الأعمال الحربية وعلمهم بتوقفها في اليوم التالي، إلا أن العدو غدر وقصف مجمع الامام الحسن (ع) أثناء زيارة العائلة المجمع هناك." ولا بد لنا من الاشارة الى أن عائلة نور الدين هي واحدة من العائلات التي استهدفت هناك حيث وصل عدد الشهداء خلال قصف المجمع إلى ما يقرب من ثلاثين شهيدًا.

صبر وحصاد

من العائلات أيضا التي عزّ عليهم ترك الضاحية الجنوبية، عائلة مرتضى. تحكي روان-إحدى أفراد العائلة- عن اصرار عائلتها على البقاء في بئر العبد إثر بدء المعركة، إلاّ أنّ "تعميما بإخلاء المنطقة أجبرنا على الانتقال إلى حي السلم، التي تقع في الضاحية الجنوبية أيضا." وتتابع  "دائمًا ما كنّا نفكر هل دمر منزلنا أم لا، وأردنا استغلال كل هدنة للاطمئنان عليه وعلى الحي." تستدرك كلامها "عندما أتينا في نهاية الحرب كانت الضاحية حقا كمدينة الأشباح، وكان منزلنا قد هدم، لكنني لم أكن حزينة بقدر ما كنت فخورة بالمقاومة وبالنصر."

إحساس الفخر هذا تعاظم مع رؤية الضاحية بحلة جديدة، لاسيما منزل ال مرتضى. "لقد كنا في غاية السعادة، منزلنا أصبح أجمل بفضل جهود القيمين الذين بذلوا ما في استطاعتهم لترتقي الضاحية وتعود لأهلها."

أم حسين أيضًا إحدى الفاقدات لممتلكاتها أثناء الحرب. فقد فقدت محالها التجاري في القصف الهمجي على الضاحية. تشكر أم حسين القييمين على إعادة بناء الضاحية، بالنسبة لها "ليس فقط أصبح المحلّ ملفتًا بعد أن تجدد، وارتفع أجاره فأصبح ضعف ما كان عليه، بل تخلصت أيضًا من عدة مشاكل كانت تعاني منها في المحال كطوفانه كل فترة، "الآن لا طوفان ولا ما يحزنون" تقول ممازحة. وتختم كلامها "الذي يهب ممتلكاته وقلبه ونفسه للمقاومة لن يخسر أبدًا."

ملامح الانتصار في الضاحية الأبيّة بعد 11 عاماً

الضاحية تتألّق بعد حرب تموز

لا بدّ لنا من الاشارة إلى أنّ مشروع وعد لاعادة إعمار الضاحية قد أعاد بناء "حوالي مئتين واثنين وسبعين مبنى كانت قد هدمتها اسرائيل في الضاحية، من بين حوالي ألف وخمسين مبنى تضررت خلال الحرب." بحسب ما أفادتنا ادارة المشروع. إعادة الاعمار هذه "لم تكن استكمالا لنصر تموز وحسب، بل شكلت نصرًا جديدًا" بحسب مدير مشروع وعد المهندس حسن الجشي، الذي يشير في حديث لـ "موقع العهد" إلى "أنّ السرعة القياسية التي تم إعادة اعمار الضاحية فيها هي احدى العوامل التي شكل النصر الثاني، بالاضافة إلى الحفاظ على هوية المنطقة وسكانها رغم التغييرات." ويختم كلامه "أدنى ما يمكن أن نفعله لشعب المقاومة الذي ضحّى وصبر وصمد هو أن نقدم له خدمة أفضل ونبني الضاحية بصورة أجمل."

لم تكن إعادة بناء الوحدات السكنية والتجارية وتنظيم المنطقة وتجميلها وحدها رسالة بوجه العدو، فمبنى قناة المنار الجديد المتقنة هندسته كانت رسالة واضحة لمن عمد لاسكات صوت المظلومين فعاد صوتهم أقوى مما كان عليه. كذلك كان لبناء مجمع السيدة زينب (ع) في ما يسمى بمنطقة "المربع" الذي كان قد دمّر، هدفه في تبيان تمسكنا بمبادئنا وصمودنا، فكان مسجدا ومركزا لاحياء المناسبات الدينية والاجتماعية. وصار يزوره أبناء الضاحية من كافة المناطق هناك.

ملامح الانتصار في الضاحية الأبيّة بعد 11 عاماً

إذًا سعى العدو الاسرائيلي من خلال هذا التدمير الوحشي لأن يجعل آثاره مستمرة لسنوات لكنّ إحياء الضاحية مجددًا كان ردًّا كافيًا لافشال مخطتها. وهذا ما شدد عليه سماحة الأمين العام لحزب اللّه السيد حسن نصر اللّه في أكثر من خطاب لاسيّما في كلمته عند بناء مجمع السيدة زينب (ع) حين قال "هم ارادوا سحقنا ونحن نقول لهم بالاعمار وبالصبر، نحن باقون وانتم ان شاء الله الى الزوال ولن تمحوا ذكرنا والمستقبل بيننا وبينهم وهو مستقبل حاسم ان شاء الله."

2017-08-11