ارشيف من :ترجمات ودراسات

من الدونباس إلى فنزويلا مروراً بآسيا، توترات مثيرة للقلق!

من الدونباس إلى فنزويلا مروراً بآسيا، توترات مثيرة للقلق!

الكاتب : Christelle Néant
عن موقعChristelle Néant الالكتروني
بواسطة  موقع   dnipress.com/...  الالكتروني
أول آب / أغسطس 2017

كما سبق لي وخشيت، في مقالة سابقة، وفي ظل عجز الولايات المتحدة عن إعادة النظر بنظام تحركاتها، وبمواجهة رد الفعل الروسي، وعن الجلوس ولو لخمس دقائق للتفكُّر بالنتائج والتداعيات، فإن المحافظين الجدد قد قرروا اللعب بطريقة التصعيد على المستويين الدولي والمحلي.
في حين يواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والجماعات التكفيرية (المعارضة المعتدلة المزعومة)، هزيمة مؤكدة في سوريا، بفضل التدخل الروسي، أعرب البعض عن ابتهاجهم بوقف دعم الـ "سي آي إي" لتلك الجماعات. بشيء من التسرع، في ما يبدو. لأن هؤلاء المتفائلين قد نسوا أن الـ سي آي أي ليست المؤسسة الأميركية الوحيدة التي يمكنها أن تقدم الدعم إلى بعض تلك الجماعات. وهذا ينطبق أيضاً على البنتاغون. والواقع أن برنامج البنتاغون لم يتوقف من ناحيته.
ويهدف برنامج البنتاغون إلى استخدام الأكراد (وتسليحهم) في تفجير سوريا وتقسيمها إلى عدة دول صغيرة، وبالتالي لـ"بلقنتها". ومن هنا، فإن الولايات المتحدة ستعزز مخاوف تركيا إزاء الأكراد لأن أنقرة تنظر إلى هذه الجماعات الكردية باعتبارها تنظيمات إرهابية. وهذا من شأنه أن يدفع تركيا نحو المزيد من الارتماء في الحضن الروسي.
وبالانتقال إلى آسيا، نجد أن الصين والهند تقفان الآن على حافة صراع في الهملايا، مع ما يحمله ذلك من خطر الإطاحة بالأساس الذي تقوم عليه كل من البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، فيما تقوم الولايات المتحدة، بشكل متزايد الصراحة والوضوح، بتوجيه التهديدات إلى كوريا الشمالية. وقد وصلت آخر التصريحات الأميركية حتى إلى حد الإعلان عن استعداد ترامب للتدخل العسكري من أجل حسم مشكلة كوريا الشمالية وهذا من شأنه أن يطرد النوم من عيون أولئك الذين يخشون تفجر صراع في آسيا.
أما في أوروبا، فإن ألمانيا تصر على رغبتها في معارضة آخر دفعة من العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا. فبعد أن هاجمت ألمانيا هذه العقوبات واعتبرتها غير مشروعة وبأن تداعياتها تصل إلى خارج روسيا، ها هي تدعو الآن دفعة واحدة إلى اتخاذ تدابير مضادة. أجل، فلكثرة ما تعمد الولايات المتحدة إلى ضرب كلبها، فإنها تتعرض لخطر أن يقوم هذا الكلب بعض يدها، مع أنه كان مطيعاً لها إلى أبعد الحدود. وهنالك إمكانية لأن يتصدع الاتحاد الأوروبي بسرعة أكبر مما هو متوقع، خصوصاً عندما يقوم كل طرف بشد الغطاء إلى ناحيته بهدف الخروج من المأزق.

من الدونباس إلى فنزويلا مروراً بآسيا، توترات مثيرة للقلق!
اضطرابات فنزويلا


ثم إننا أمام مشهد من النوع نفسه في أوكرانيا. فبعد أن حرم ساكاشفيلي من جنسيته الأوكرانية، فإن بوروشنكو قد بدأ بتصفية حساباته مع  آفاكوف، وزير الداخلية الأوكراني. وبالنتيجة، تم اعتقال العديد من موظفي وزارة الداخلية، وبعضهم تم توجيه التهم إليه.
ولشعوره بأنه جالس على مقعد قد يقذف إلى الفضاء في أية لحظة، فقد قرر القيام بزيارة في 5 آب/ أغسطس لوحدات الحرس الوطني التابعة له والمتواجدة في المنطقة التي يسيطر عليها "تنظيم مكافحة الإرهابيين" [المقصود بالارهابيين هو الجيش الروسي]. وتقول بعض المصادر في مركز القيادة العامة للحرس الوطني الأوكراني بأن آفاكوف ينوي إعطاء الأوامر لهذه القيادة بالتوجه سريعاً إلى كييف للقيام بانقلاب عسكري إذا ما تعرض للإقالة من قبل بوروشنكو.
في هذه الأجواء المقابلة لـ "ميدان-3"، فإن عدداً من وحدات النازيين الجدد التي كانت قد انسحبت من الجبهة قد أعيد إرسالها إليها، مع قطاعات يمينية أخرى، لتمنع قوات الحرس الوطني من الصعود نحو كييف ولتقوم باستفزازات متكررة. والهدف من ذلك هو إشغال النازيين الجدد والشعب الأوكراني كله برفع وتيرة الحرب في الدونباس.
ومع هذا التطور، أدى الارتفاع الذي أصبح متواصلاً في القصف اليومي، الأسبوع الماضي، إلى سقوط سبعة قتلى وتسعة جرحى في جمهورية دونتسك الشعبية. ومنذ بداية العام، بلغ التعداد 189 قتيلاً و451 جريحاً في الجمهورية، وذلك بالإضافة إلى جنديين قتلا خلال الـ 48 ساعة المنصرمة بعد وصول عدد إضافي من القناصة الأوكرانيين. وخلال الأيام الأربعة الأخيرة، لم يقل عدد حالات خرق وقف إطلاق النار من قبل الجيش الأوكراني عن 54 حالة يومياً.
وفي لوغانسك، قررت كييف مجدداً مواصلة أعمالها الاستفزازية عن طريق الوسائل الإرهابية. ففي هذه المرة، تم استهداف النصب المهدى إلى الذين قتلوا وهم يدافعون عن جمهورية لوغانسك الشعبية بقنبلة انفجرت تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، دون وقوع ضحايا، لحسن الحظ. لكن النصب تعرض للتدمير شبه الكامل.
لكن هذه المحصلة لا تبدو كافية في نظر واشنطن، حيث أن صقور البنتاغون قرروا العودة إلى فكرتهم الألمعية المتمثلة بإرسال أسلحة قاتلة (دفاعية بزعمهم) إلى الجيش الأوكراني. وبالنظر إلى جنون العداء لروسيا المستشري من واشنطن امتداداً إلى كييف، أصدرت روسياً تحذيراً بخصوص صفقة الأسلحة المنوي تسليمها إلى القوات المسلحة الأوكرانية.
وبهذا الصدد، صرح ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الرئيس الروسي بما يلي:"نعتقد أن على جميع الأطراف التي تقول بأنها تلعب دوراً في تسوية الأوضاع، أن تتجنب القيام بأعمال من شأنها أن تتسبب برفع منسوب التوتر في منطقة على هذا القدر من الصعوبة".
وبالتوازي مع عودة أفعى البحر التي تهدد العلاقات الروسية-الأميركية منذ ثلاث سنوات، تقوم كييف بإرسال المزيد من الأسلحة الثقيلة نحو خطوط الجبهة. وهي تثبت بذلك أن رغبتها باستعادة الدونباس هي كل شيء باستثاء أن تكون سلمية. فالارتفاع الجديد في منسوب التوتر هو، كما هو في الغالب، على صلة باستحقاقات دولية، في وقت يفترض أن يتم فيه اجتماع جديد في مينسك (غداً) في 2 آب / أغسطس.
إن عودة الصراع هي وسيلة ناجحة تعتمدها كييف من أجل إلزام حوالي 1200 جندي طلبوا تسريحهم مؤخراً من الجيش، من أجل إلزامهم بالبقاء على الجبهة. كما أنها وسيلة ناجحة، خصوصاً، لإلهاء الشعب الأوكراني عن مدى الكارثة التي تضرب البلاد. ففي ظل المديونية التي تصل، هذ العام، إلى 80 بالمئة من الناتج المحلي الأوكراني، وبيع عدد كبير من الشركات الحكومية، وانهيار الصناعة، فإن الصحافيين الأوكرانيين أنفسهم يدقون جرس الخطر ويقولون علناً أن اقتصاد البلاد يتقدم سريعاً نحو الهاوية.
ويصل هؤلاء الصحافيون إلى حد القول بأن الأمر الوحيد الذي ينقذ أوكرانيا (ويشكل أملها الوحيد) هو سكانها الذين يهاجرون إلى الخارج ويرسلون المال إلى البلاد لمساعدة أسرهم. والأموال اتي يرسلونها ليست قليلة لأنهاتشكل 20 بالمئة من المداخيل السنوية للدولة و7 بالمئة من الناتج المحلي الخام. أي أنها تشكل جزءاً لا يستهان به من الناتج المحلي الأوكراني لا لشيء إلا لأن أوكرانيا قد تحولت إلى جحيم يسعى سكانه إلى مغادرته بأي ثمن.

من الدونباس إلى فنزويلا مروراً بآسيا، توترات مثيرة للقلق!
صقور البنتاغون قرروا العودة إلى فكرتهم بإرسال أسلحة إلى الجيش الأوكراني


إن إخراج البلاد من المأزق يتطلب إطلاق خطة حقيقية للإصلاح الاقتصادي، لكن السلطات الأوكرانية الحالية عاجزة عن ذلك، وتفضل أن تغذي السكان بثرثرات سياسية، أو أن تطلق حملة ملاحقة بحق جميع الأصوات الناشزة.
وبالفعل، وعلى الخط المستقيم للإيديولوجيا النازية التي يعتمدها الكثير من السياسيين الأوكرانيين الحاليين، ستتم توسعة المشروع المسمى ميروتفوريتز (وهو موقع انترنت يقوم بوضع لوائح بـ "الانفصاليين" في أوكرانيا تتضمن حتى الصحافيين والأطفال من عمر عشر سنوات) بواسطة محرك تعرف على الوجوه، بهدف تسهيل ملاحقة (وتصفية) كل شخص في أوكرانيا لا يفكر كما ينبغي.
هنالك كتاب وصحافيون مثل أوليس بوزينة دفعوا حياتهم ثمناً لمحاولتهم قول الحقيقة حول ما يجري في أوكرانيا. وهذه المرة، ينتقل النازيون الأوكرانيون الجدد إلى السرعة القصوى عبر تصنيع عمليات صيد المخالفين. وإذا كانت هذه الوسائل تذكركم بأحداث تاريخية جرت في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي، فإن الجانب التقني فيها ليس مجرد مصادفة عارضة.
وفي الوقت الذي لم تتوقف فيه تداعيات ميدان 2 عن إلهاب القارة الأوروبية، فإن الولايات المتحدة تعزف المعزوفة نفسها في فنزويلا، وذلك من خلال تظاهرات عنفية تقوم بها "معارضة" تشبه إلى حد بعيد تلك التظاهرات التي شاهدناها في ساحة الاستقلال في كييف.  وكل ذلك بدعم مكشوف من قبل الـ سي آي إي.
وفي محاولة منه لمواجهة تطور الأحداث، أطلق الرئيس مادورو فكرة إقامة جمعية تأسيسية. وبالطبع، فإن عملية التصويت التي أدت إلى إقامتها قد قوطعت بوسائل عنفية من قبل المعارضة المزعومة، شأنها شأن ما جرى في كييف في العام 2013-2014، لا تريد غير شيء واحد : الدفع باتجاه انقلاب عسكري واستلام السلطة بالقوة. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي قد نزعت صفة الشرعية عن هذا التصويت الذي فاز فيه حزب مادورو، كما قامت واشنطن بفرض عقوبات على الرئيس مادورو. وهنا أيضاً، لعبت روسيا دور صوت العقل من خلال دعوة كل واحد من هذه البلدان إلى التوقف عن صب الزيت على النيران.
الولايات المتحدة تعيش حالة سقوط سريع. إنها تفقد مواقع هيمنتها. وبدلاً من أن تتقبل ذلك وتعتمد سياسة براغماتيكية، فد قررت أن تجر العالم معها نحو القاع. ولسان حالها يقول من بعدي الطوفان ! ولا باس بهلاك العالم معها.
لقد أزف الوقت لأن تنهض الشعوب الأوروبية وتنتفض في وجه هذا التسابق السريع للأحداث قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يصل الأحياء إلى واقع يحسدون فيه الأموات.

 

2017-08-17