ارشيف من :ترجمات ودراسات
واشنطن تتعامل مع أوروبا وكأنها مستعمرة أميركية
عن موقع (Horizons et Débats) Zeit-fragen.ch
7 آب / أغسطس 2017
إنه مثال بين أمثلة عديدة أخرى: في 14 تموز / يوليو، قامت محكمة لايبزغ (ألمانيا) بتعيين موظف مهمته إجراء تصفية قانونية لشركة البناء المعدني المحلية المسماة " IMO " . وهذه الشركة موجودة منذ 120 عاماً وتستخدم 320 شخصاً، وهي متخصصة في البناء بالفولاذ، كما كانت، حتى فترة قريبة، تقوم بتنفيذ مشاريع بالتعاون مع روسيا. وقد أفلست اليوم بشكل كامل. فالعقوبات المفروضة على روسيا قد تسببت للشركة المذكورة بخسائر في العائدات والأرباح لم يعد من الممكن تعويضها.
وسعة العقوبات يدمر إمكانية إعادة بناء العلاقات الروسية الأميركية
أما العقوبات الجديدة التي أقرها الكونغرس الأميركي في 25 تموز / يوليو، بمعارضة ثلاثة أصوات لا غير، وتلك التي أقرها في 27 من الشهر نفسه بمعارضة صوتين لا أكثر، فإنها ستؤدي، حال تطبيقها، إلى إفلاس العديد من الشركات الأوروبية بالشكل الذي أفلست به شركة " IMO " في لايبزغ. فهذه المرة، سيلحق الضرر بمشروع هام بالنسبة لروسيا والبلدان الأوروبية، وهو مشروع أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي يربط روسيا مباشرة بألمانيا عبر بحر البلطيق. فالواقع أن قرار الكونغرس يسمح للرئيس الأميركي بفرض عقوبات على جميع الشركات التي تشارك في مشاريع روسية على صلة بالطاقة، ومنها خط أنابيب "نورد ستريم 2".
وعلى هذا، فإن الأميركيين يتصرفون من جانب واحد وبدون أن يشاوروا شركاءهم الأوروبيين. هذا، وقد صدرت احتجاجات أوروبية عنيفة على قرار الكونغرس. حتى الحكومة الألمانية سبق لها أن أعلنت في شهر حزيران / يونيو (كانت مشاريع العقوبات الجديدة قد أصبحت معروفة في تلك الفترة) أن العقوبات الجديدة "مخالفة للقانون الدولي". وكان سيغمار غابرييل، وزير الخارجية الألماني، قد صرح بأنه "من غير المقبول استخدام العقوبات بشكل غير نزيه من أجل إخراج روسيا من سوق الغاز بهدف بيع الغاز الأميركي بشروط أفضل". فالحقيقة أن الأميركيين يريدون أن يفرضوا على الأوروبيين شراء الغاز الأميركي المسيل بدلاً من الغاز الروسي. وفي 18 تموز / يوليو، وخلافاً لما يريده الكونغرس الأميركي، طالب غابرييل في مقابلة أجرتها معه مجلة " Focus"، طالب برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على روسيا.
كما كان للشركات الأوروبية المعنية رأيها في هذا المجال. ففي مقالة نشرتها مجلة "Frankfurter Allgemeine Zeitung"، بتاريخ 24-7-2017، كتب رينر سيل، المدير العام لمجموعة "OMV" النمساوية للطاقة والمشاركة في مشروع خط الأنابيب الروسي، كتب ما يلي: "من الطبيعي أن يكون الغاز المسيل الأميركي في منافسة مع الغاز الروسي، ولا أحد يعترض على ذلك. لكن ينبغي أن يكون من الواضح، وهذا ما قاله وزير الخارجية الألماني بكل وضوح، أن تزويد أوروبا بالطاقة هو، وما يزال، شأن أوروبي لا علاقة به للولايات المتحدة [...] وليس لبولندا وبلدان البلطيق أي حق بالفيتو أو بتشكيل حاجز أمام العلاقات الروسية الأوروبية في مجال الغاز، بما في ذلك أنابيب نقل الغاز". غير أن وضع عقوبات الكونغرس الأميركي موضع التنفيذ لا يلحق الأذى بشركة "OMV" وحدها، بل يدمر أيضاً شركات أوروبية أخرى مثل "BASF"، و"E.ON"، و " Wintershal" و " Shell ". وهذا يعني خسائر بالمليارت. وقد كتب ماتياس وارنيغ بتاريخ 17-7-2017 مقالة في مجلة "Handelsblat" الألمانية قال فيها : "إذا ما وضعت العقوبات الأميركية موضع التنفيذ، فإن تأثيرات ذلك على تزويد أوروبا بالنفط والغاز ستكون كبيرة جداً، لأن جميع أنابيب تصدير النفط والغاز الروسيين تخضع لتلك العقوبات".
عقوبات الكونغرس الأميركي الجديدة هي عبارة عن حرب اقتصادية ضد أوروبا
وقد عبر ويلي فايمر، وزير الدفاع الألماني السابق، عن ذلك بوضوح عندما قال بأن عقوبات الكونغرس الأميركي الجديدة هي عبارة عن حرب اقتصادية ضد أوروبا. كما أدلى بتصريح لوكالة الصحافة الروسية "سبوتنيك" في 26-7-2017 قال فيه: "من الواضح أن هذه العقوبات تستهدف الرئيس الأميركي، حيث إنهم يريدون تنحيته. لكنها تستهدف أوروبا في الوقت نفسه، حيث إنهم يريدون خنقها اقتصادياً". وأضاف أنه يلاحظ، منذ فترة طويلة، أن "الولايات المتحدة تتوسع بتشريعاتها فوق أراضي الآخرين، وسلوكها هذا استعماري بشكل نموذجي". ثم وجه الوزير الألماني السابق كلامه إلى مسؤول الاتحاد الأوروبي قائلاً : "إذا كان الاتحاد الأوروبي لا يستطيع اتخاذ قرار الآن لأنه لا يجرؤ على ذلك أو لأي سبب آخر، فإنه سيفقد ثقة الجهور الأوروبي وناخبيه. فالمسألة لا تتعلق فقط باستمرار الاتحاد الأوروبي في الوجود من الناحية الاقتصادية، بل أيضاً بالشرف السياسي. فإنه من غير المقبول أن نكون محكومين بإجراءات تعسفية تقررها واشنطن. [...] إننا نلاحظ على جميع مستويات العلاقات مع واشنطن أننا نخضع لعناصر تشف بالحد الأدنى عن حرب اقتصادية. [...] وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد ركع أمام هذه العقوبات، فإنه قد يخسر كامل مستقبله الاقتصادي".
وأخيراً، لا بد من التأكيد أن القرار بفرض هذه العقوبات الجديدة هو عبارة عن إعلان حرب أميركية على روسيا. فالنقاشات التي تجري في الكونغرس هي مثال سيئ يظهر الديماغوجيا والعدوانية التي تتم من خلالها "شيطنة" روسيا في الولايات المتحدة. كما أن ردود الفعل الروسية الرسمية والحذرة تبين أنهم يرون الأمر على هذه الصورة. وبهذا الخصوص، صرح ليونيد سلوزكي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الدوما، بتاريخ 26 تموز / يوليو بأن "توسعة العقوبات يدمر إمكانية إعادة بناء العلاقات الروسية الأميركية، ويجعل ذلك أكثر صعوبة، إلى أجل مسمى، لأن إمكانيات توثيق الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا محدودة إلى أبعد الحدود".