ارشيف من :أخبار عالمية

أسعار النفط: ذئب أميركي وديع وحمل سعودي شرس!

أسعار النفط: ذئب أميركي وديع وحمل سعودي شرس!

كتب عقيل الشيخ حسين

في العام 1973، كانت أسعار النفط في حدود 3 دولارات للبرميل. وقد تضاعف سعر البرميل عدة مرات مع استخدام النفط لأول مرة، من قبل السعودية، كسلاح في الحرب الاقتصادية العالمية خلال الحرب العربية الإسرائيلية، ليبلغ الـ35 دولاراً مع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران في أوائل الثمانينات. وقد ظهر يومها مصطلح "الصدمة النفطية"، وارتفعت حدة الحديث في الغرب عن العربي الذي يأكل العالم، في وقت لم يكن الشارع الغربي يميز فيه بعد بين مفهوم العربي والمسلم. لكن ظروف الحرب العراقية ـ الإيرانية وما مثلته من أخطار على أعمال التصدير، إضافة إلى الرغبة العربية برفع الضغط عن الحلفاء الغربيين إبان هذه الحرب، كل ذلك أعاد الأسعار إلى نحو سبعة دولارات للبرميل، في ظل اعتماد سياسة إغراق الأسواق من قبل السعودية وبلدان الخليج العربية، عبر فتح خطوط للتصدير عبر البحر الأحمر. وكانوا يبررون ذلك في تلك الفترة بحرصهم على صيانة الحضارة العالمية. إلا أن هذا السعر غير المعقول لم يلبث أن بدأ بالارتفاع نتيجة لاحتياجات السوق الطبيعية، إضافة إلى ضغوطات بعض أطراف أوبك، ولكن ايضاً إلى سياسات شركات النفط الكبرى، وأكثرها أميركية، والتي تفوز عادة بحصة الأسد عند حدوث أي ارتفاع في أسعار النفط.

وإذا كان من الممكن في السابق ألا تخرج حركة انخفاض الأسعار وارتفاعها عن إطار الحد الأدنى من القدرة على فهم هذه الظواهر، فإن الإرتفاع الحالي في سعر البرميل إلى حدود 140 دولاراً، مع توقعات جدية بوصوله إلى 150 دولاراً في الرابع من تموز/ يوليو المقبل، تاريخ الاحتفالات بعيد الاستقلال الأميركي، وإلى 250 دولاراً، قبل نهاية العام الحالي، قد ادخلت المحللين في دائرة الحيرة. وخصوصاً أن الأسعار ترتفع بمعدل يزيد عن خمسة دولارات في غضون ساعات في بعض الأحيان. ومن الطبيعي عند حصول أي ارتفاع في الأسعار أن تتجه الأنظار إلى تفسيره بانخفاض العرض، وفقاً للقاعدة التقليدية التي تربط بين العرض والطلب. ولكن ما يجري حالياً أن الارتفاع "المجنون" لا علاقة له بالعرض ولا بالطلب. فالواقع أن المعروض في الأسواق يزيد حالياً بأكثر من مليون برميل يومياً، في حين تناقص الطلب خلال الربع الأول من العام الجاري بأكثر من مليون برميل من قبل المستهلكين الرئيسيين الولايات المتحدة والصين. إضافة إلى ما يقتضيه الضجيج المفتعل حول الوقود الحيوي والذي يفترض به أن يكبح من الارتفاع الجنوني في سعر البرميل.  
ما هو السبب إذاً في هذا الارتفاع المجنون. المضاربات على ما بات يعترف به المحللون. والمضاربات تشتمل أيضاً على الانخفاض الموازي لسعر صرف الدولار، إلى حد أن كثيرين يعتبرون أن ما يجري حالياً ليس ارتفاعاً جنونياً في أسعار النفط بقدر ما هو انخفاض جنوني في أسعار الدولار، الذي تجري به المداولات في السوق النفطية نظراً لسيطرته المطلقة على حركة هذه السوق. أما انخفاض أسعار الدولار فيشكل جزءاً من حرب تقليدية معروفة يشنها البنك الفيدرالي الأميركي لتنشيط الصادرات الأميركية، ولإرهاق اقتصاديات الدول الصناعية المستهلكة للنفط، وخصوصاً لـ"شفط" الأموال الهائلة المودعة بالدولار والتي تعود بالدرجة الأولى إلى أثرياء العالم الثالث وبلدان كالصين والخليج العربي واليابان. ومختصر اللعبة الحالية، أي لعبة المضاربات، أن المصارف الأميركية والغربية عموماً تضخ كميات ضخمة من الأموال مستهدفة شراء أكبر كمية ممكنة من النفط، وهو الأمر الذي يصبح فيه من المتعذر لجم ارتفاع الأسعار. والمفارقة، برغم وجود فائض كبير في السوق، أن الأميركيين، لا يكفون عن الضغط على المنتج والمصدر الأول، السعودية، وعلى أوبك، من أجل زيادة الانتاج والتصدير. وقد شكل ذلك موضوع الزيارات المكثفة التي قام بها في الآونة الأخيرة كل من بوش وشيني ورايس وغيرهم من كبار المسؤولين الأميركيين إلى السعودية، بالتوازي مع حملات منظمة يقوم بها الإعلام الأميركي بقصد تحميل أوبك والسعودية خصوصاً مسؤولية الارتفاع الحالي، وبالتالي مسؤولية الكوارث التي تضرب العديد من المرافق الاقتصادية الأميركية والدولية والتي تمثلت بإفلاس الكثير من الشركات وبخروج مئات ألوف الأميركيين والأوروبيين إلى سوق البطالة.
 وبالمقابل، يبدو أن السعودية لا تجد طريقة لدفع التهمة عن نفسها غير الاستجابة الكريمة لمطالب الأميركيين. فعلى الرغم من الفائض الكبير في العرض، ضخت السعودية 400 ألف برميل إضافي يومياً في السوق في أيار/ مايو الماضي. وضخت 200 مليون برميل إضافي منذ أيام، وكل ذلك خلافاً للسياسات المتفق عليها داخل أوبك. وينتظر أن تضيف السعودية ضخ 400 ألف برميل إضافي خلال مؤتمر جدة للبلدان المنتجة والمصدرة، والذي دعت إليه لمناقشة الأزمة الحالية والنظر في تلمس حلول لها. وكل ذلك لكي تثبت للمستهلكين أنها غير مسؤولة عن الأزمة الحالية، علماً بأن الجميع يعرفون ذلك أكثر مما ينبغي، ويعرفون أيضاً أن تصوير النفط (العربي والإسلامي) على انه المسؤول عن "الظلم" الذي يتعرض له المستهلك الغربي "المسكين" مرتبط في الحقيقة بأجندات إمبراطورية تصر، فيما يتعدى الاعتدال والتطرف، على استهداف إيران، تحت ستار النووي، بقدر ما تصر على استهداف السعودية، تحت ستار النفط. أجندات لا تعف، إذا ما عجزت عن النيل من العدو، عن دهس جثة الصديق، برغم كل ما يقدمه من خدمات كريمة.          
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-19