ارشيف من :نقاط على الحروف
تفاهمات تركية إيرانية لاحتواء الأزمات الإقليمية
وسط التطورات المتدافعة على ساحة الشرق الأوسط، ثمة "تطور جاذب" استحوذ على الاھتمام وجرى التوقف عنده مليًّا، وھو التقارب المستجد بين إيران وتركيا. إنھا مرحلة تفرض على أنقرة وطهران عقد زواج مصالح مرحلي أو تفاھم الضرورة، تماماً كما ھي حال روسيا وأميركا ھذه الأيام، في سوريا أو غيرھا، بعيداً عن الخلافات والتناقضات في الأھداف والمصالح والتناحر لاقتطاع مناطق سيطرة ونفوذ وفتح أسواق في المنطقة العربية.. كلتاھما تحتاج إلى الأخرى مرحلياً في حمأة الصراع على الإقليم، وستظل لكل منھما سياستھا الخاصة، سواء في العراق أو سوريا، وحتى في آسيا الوسطى والجمھوريات و"إسرائيل" أيضاً.
ھذه التفاھمات ستكون مؤثرة في مسار الأزمة السورية والحل الذي بدأ الإعداد له ورسم خطوطه على الأرض مع دخول الحرب مرحلة "بداية النھاية"، وھي ليست أمنية فقط وإنما تكتسب أھمية سياسية وتطلق مرحلة من التعاون الإقليمي بعد مرحلة من التناحر والغموض السياسي التركي تجاه طھران، وھذا التعاون يشمل أھم التحديات الإقليمية بما فيھا الإرھاب والمسألة السورية وخصوصاً الملف الكردي لجھة التغيير الجيوسياسي الممكن أن يطرأ في المنطقة.
تفاهمات تركية ايرانية لاحتواء الازمات الإقليمية
فالتعاون بما يخص الملف الكردي ھو العنوان الأبرز للتقارب التركي-الإيراني حالياً، وذلك يشمل المواجھة ضمن المثلث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق، إلا أن ھذا التقارب ظھّر تقاطعات بين رؤى العاصمتين بشأن مستقبل سوريا، خاصة فيما يتعلق بشمال البلاد، بما يشمل إدلب والمناطق الكردية.
وبالنظر إلى موقف إدارة دونالد ترامب العدائي تجاه إيران، فإنھا سوف ترفض الوقوف أمام واقع يشھد تقارباً تركياً مع إيران، لكن تراجع العلاقات بين واشنطن وأنقرة بسبب الدعم الأميركي لأكراد سوريا، قد يجعل الموقف التركي غير مكترث كثيراً للنظرة الأميركية إلى التقارب مع إيران، إلا إذا حصلوا على عرض أميركي أفضل في سوريا.
وثمة شعور يرتفع لدى مسؤولين أتراك بأن نظام الرئيس الأسد سوف يبقى، ومع دعم الولايات المتحدة لـ"وحدات حماية الشعب الكردية"، فإن الأخيرة سوف تكون القوة الأولى في شرق سوريا، ما يتعارض وجوھر المصلحة القومية لتركيا.
وتبحث أنقرة عن وسائل للضغط على "وحدات حماية الشعب" بمساعدة شركاء إقليميين مؤقتين، ويبدو أن ما تمثله الوحدات يعكس الآن مشكلة مشتركة لكل من إيران وتركيا، وبإمكان حزب العمال الكردستاني والحزب الموالي له في إيران أن يشكلا إزعاجاً أيضاً لإيران في حال ذھب الأخير نحو خيار الصراع المفتوح مع طھران في غرب البلاد، ولذلك فإن تدمير قيادة "العمال" الرئيسة في جبال قنديل سوف يكون ذا فائدة كبيرة للطرفين.
تفاهمات تركية ايرانية لاحتواء الازمات الإقليمية
فھذا التقارب بين تركيا وإيران، بحسب مصادر مطلعة، سيترجم عمليا الى تفاھمات واتفاقات مرحلية وموضعية في سوريا والعراق تسفر عن النتائج والتحولات الآتية:
- تطويق المشروع الكردي الانفصالي في سوريا والعراق عبر ممارسة الضغوط على الاستفتاء في كردستان العراق الذي سيجري نهاية أيلول/سبتمبر، ومنع ضم كركوك، عبر تقويض الكيان الكردي في سوريا.
- تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في العراق (جبال قنديل وسنجار).
- تخلي تركيا عن تحفظاتھا بشأن معركة تلعفر التي يقطنھا تركمان، وتحديدا لجھة مشاركة الحشد الشعبي "الشيعي" في ھذه المعركة.
- تخلي تركيا عن مطلبھا السابق برحيل الرئيس بشار الأسد وتجاوز ھذه المسألة ووضعھا جانبا.
- التنسيق في شأن وضع إدلب والترتيبات الخاصة بإنھاء وضعھا العسكري كقاعدة تمركز للمنظمات الارهابية، والتنسيق بشأن المناطق الكردية شمال سوريا وعلى قاعدة المعادلة التالية: إدلب مقابل الأكراد، ووفق ھذه المقايضة مع الإيرانيين: ساعدونا في ضرب الأكراد نساعدكم في ترتيب وضع إدلب.
فرؤية كل طرف لقضية التقارب الحاصلة حالياً تختلف عن الأخرى، طھران تقابل رغبة تركيا في الانفتاح على أساس أنھا تنازل عن سياسة سابقة ومن زاوية اليأس التركي والانقلاب على شعار إسقاط النظام السوري، فيما ترى أنقرة أن ليس هناك من تغيير جوهري لسياستھا، وإنما مقاربة جديدة لكيفية حل أزمات المنطقة.
وفي الواقع حتى الآن لم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين إيران وتركيا خلال زيارة الجنرال باقري الأولى إلى أنقرة مؤخراً، ويبدو أن ذلك كان بناء على طلب الجانب التركي الذي قد يرغب أولا في إبلاغ شركائه في حلف شمال الأطلسي..
رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية العميد محمد باقري خلال زيارته تركيا
وبالرغم من ذلك، وبناء على تصريحات الجنرال باقري، فإن اتفاقات أنقرة تغطي ثلاثة مجالات:
- الأول يتعلق بأمن المثلث الحساس الذي يشكل حدود تركيا والعراق وإيران حيث يشكل الأكراد أغلبية السكان.
- الثاني يتعلق بمستقبل سوريا الذي تعتقد طھران أنه يجب أن تحدده إيران وتركيا وروسيا وحدھا، مع استبعاد الولايات المتحدة وحلفائھا من الدول العربية.
- الثالث يتعلق بما تأمله طھران في أن تكون هناك خطة موثوقة لتحقيق الاستقرار في بلاد الشام، واستبعاد الولايات المتحدة وحلفائھا، وتكمن ھذه الخطة في "تعاون اقتصادي إقليمي" لمنح التحالف الإيراني-التركي-الروسي بعض الركائز الملموسة على أرض الواقع.
وتأكيدا على هذا الاتجاه، فقد وقّعت مؤسسة "غدير" الاستثمارية الايرانية مؤخراً، عقدا بقيمة 7 مليارات دولار مع شركة "زاروبيجنيفت" النفطية المملوكة للحكومة الروسية وشركة "يونيت إنترناشيونال" التركية القابضة، والخاضعة لسيطرة أشخاص مقربين من الرئيس إردوغان، بھدف تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي الجديدة في إيران بغية التصدير إلى الأسواق العالمية.
ودخلت إيران وتركيا في محادثات لمضاعفة العبور والنقل التركي عبر إيران واستھداف الأسواق في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا قطر والإمارات العربية المتحدة.. كما تأمل تركيا، التي تملك أكبر شركات التشييد والبناء في المنطقة، في تأمين حصة الأسد من العقود المستقبلية لإعادة إعمار سوريا والعراق بالشراكة مع تكتل "خاتم الأنبياء" التابع للحرس الثوري الإيراني.
باختصار، ھذه التفاھمات حتى الآن لھا طابع "مرحلي وموضعي" ولا ترقى الى مستوى تحالف استراتيجي، فالبلدان لديھما استراتيجيات مختلفة والعلاقات بينھما تقف على إرث من الصراع والتنافس على مناطق المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، وتتداخل في علاقتھما المصالح الاقتصادية والأدوار الإقليمية.
فهل تنتكس هذه التفاهمات بسبب تدخل وتأثير المتضررين وهم كثر، أم تتعمق وترتقي بسبب تداخل التحديات الاستراتجية وهي كثيرة أيضا؟ هذا ما تقرره التحولات والتوازنات القادمة.