ارشيف من :نقاط على الحروف
أخلاقيات حزب الله في القتال.. بين التحريرين
وجدت بقايا الرابع عشر من آذار ضالّتها في فتح ثغرة تتسلل من خلالها للطعن بالمقاومة. التزام حزب الله اللامتناهي بأخلاقيات الحرب مع العدو، كان محط تعجّب - غير بريء - من الفريق المعادي للمقاومة. أقلامٌ وأصوات وحسابات على مواقع التواصل جُنِّدت جميعها في اطار مهمة "استغلالية" لدور المقاومة في انجاز التحرير الثاني، والفصل الأخير من المهمّة، المتعلّق بكشف مصير العسكريين اللبنانيين واستعادة جثامينهم، وخروج فلول الارهابيين مع عائلاتهم بعد استسلامهم نحو البوكمال في سوريا، مقابل استعادة أسير وجثامين شهداء للمقاومة.
تساؤلات عدّة طرحها ما تبقى من قيادات في الرابع عشر من آذار حول الاتفاق. منها لماذا سمح حزب الله بخروج مسلحي "داعش" المستسلمين والمهزومين باتجاه البوكمال ولم يقضِ عليهم؟ ولماذا أصدر بياناً يحذر فيه من ارتكاب مجزرة أميركية بحق الأطفال والنساء من عوائل المسلحين في الصحراء؟ وغيرها من التساؤلات التي تهدف الى الايحاء بنوع من التعاون بين المقاومة وتنظيم "داعش" الارهابي.
الردّ على التساؤلات المشبوهة يتطلب عودة لا مفرّ منها الى التاريخ القريب. التاريخ الذي أرادته المقاومة شاهداً على انجازاتها العظيمة وحفاظها على أخلاقيات الحروب، في آن. ولمعرفة أصل الحكاية، لا بد من استعاد تاريخ الخامس والعشرين من أيار/ مايو 2000، بما يحمله من مشاهد فخر لأهالي الأراضي المحررة من العدو الاسرائيلي في جنوب لبنان، ومشاهد ذلّ لعملاء جيش لحد الفارين عند بوابة فاطمة.
الباصات التي أقلت المنهزمين من مسلحي "داعش" وعوائلهم
في ذلك الحين، خرجت أصوات من الفريق المعادي للمقاومة لتروّج "لمجازر" سترتكبها المقاومة بحق المتعاملين مع العدو الذين ارتكبوا أبشع أنواع الاجرام بحق أبناء بلدهم. لكن الصورة كانت ناصعة الى يومنا هذا. حيث قدّم حزب الله نموذجاً لم تقدّمه أي حركة مقاومة على امتداد التاريخ.
على الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، تجمّع المتعاملون مع العدو في مشهدٍ مذِلّ، يطالبون الجيش الصهيوني المندحر بفتح بوابة فاطمة وادخالهم الى فلسطين، أمام أعين المقاومين المنتصرين. حينها أطلق أحد العملاء في وجه زعيمهم أنطوان لحد مقولة شهيرة "اتوقعنا ننكحت بس بشرف"!
عملاء جيش لحد وعائلاتهم يستجدون العدو عند بوابة فاطمة عام 2000
في ذلك اليوم سلّم عدد لا بأس به من العملاء أنفسهم الى المقاومة، التي كان باستطاعتها الاقتصاص لأرواح الشهدء من أبناء الجنوب وعموم لبنان، بعد مجازر ارتكبوها خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي للبنان. لكن حزب الله سلّم هؤلاء الى الدولة اللبنانية، ووضعهم في عهدة القضاء، الذي أبدى بدوره "تراخياً" بأحكام بالسجن لم تتعدى الأشهر القليلة، لعناصر قتلوا وشرّدوا أبناء بلدهم.
لم تتغير المقاومة منذ عام 2000 حتى 2017. رجالها هم عينهم مع اختلاف الأجيال. والمدرسة الأخلاقية الايمانية هي عينها أيضاً. لكن مواقف بعض المتهجّمين على حزب الله اليوم هي التي تناقض نفسها. فلو عدنا الى سنوات الى الوراء، لقرأنا المطوّلات من مواقف هؤلاء وهم يدعون الى الرحمة في التعاطي مع عملاء "اسرائيل"، مطالبين بعودة من فرّ منهم الى فلسطين المحتلة.
أمّا اليوم، فيعيب المتهجمون على المقاومة تعاطيها مع العدو التكفيري وفقاً للنهج عينه في عام 2000. ويستنكرون التزام حزب الله بعدم المساس بعوائل الارهابيين من نساء وأطفال وشيوخ، ويطالبونه بقتل المستسلمين من الأعداء حتى آخر رجل فيهم. فلماذا التزم المتهجمون على المقاومة "قانون الرحمة" مع عملاء لحد، في حين يدعونها الى اعتماد قانون "داعش" في التعاطي مع العدو التكفيري، وكأنه يُراد للمقاومة أن تقدّم مشاهد مماثلة لتلك التي تقدمها "داعش" و"النصرة" من قتل وذبح وسبي. وهي المقاومة التي تربّى أبناؤها على قول الامام زين العابدين (ع) "لو أن قاتل أبي الحسين (ع) استودعني السيف الذي قتل به أبي لرددته إليه". كثرٌ هم الذين تنطبق عليهم مقوله الأمين العام لحزب الله "فهمتونا غلط.. أخطأتم في حساباتكم ، أخطأتم في فهم خياراتنا ، أخطأتم في فهم أولوياتنا ، أخطأتم في فهم طريقة تفكيرنا ، وما زلتم تخطئون" .