ارشيف من :آراء وتحليلات
زيارات ملء الفراغ
أحمد فؤاد (*)
زيارات قليلة يقوم بها قادة دول العالم إلى مصر، اليونان – قبرص – سنغافورة، ثلاثي حاضر في قصر الاتحادية، في فترة تحتاج مصر تجربة نهضوية كمثال للخروج من حالة التردي العام الراهن، والاقتصادي خصوصًا.
مصر واليونان وقبرص
خرجت الحكومة إلى العالم باحثة عن حل، لا للبحث عن دور يرتب عليها أثمانًا، لا تستطيع ولا تريد دفعها.
لكن مصر اصطدمت بتشوش الرؤية خارجيًا، كما في كل ملفاتها الداخلية، لا يعرف أحد يقينًا ما الذي يبحث عنه النظام بالخارج، هل العودة بالاقتصاد إلى ما قبل يناير 2011، وبالتالي التركيز على عودة السياحة والقليل من الاستثمارات الأجنبية، أم الاتجاه إلى تغيير كلي في هيكل الاقتصاد الوطني.
لا يريد أحد في حكومة المهندس شريف إسماعيل رؤية أن التنمية فعل إرادة، فيجري التركيز على أضواء المشروعات، عوضًا عن المشروعات ذاتها، مثل قناة السويس التي تحولت بين عشية وضحاها إلى مزارع سمكية، وكأن السواحل المصرية الممتدة انتهت وأفلست.
تعد سنغافورة وحدها من بين الدول الثلاث تجربة كبيرة ومدهشة، إلا أن البلد الآسيوي يمر بمنعطف غاية في السوء خلال الـ5 أعوام الماضية، إضافة إلى تحديات هائلة تتعلق بالمستقبل، فهل تعد سنغافورة بالفعل ملجأ لمصر، الباحثة أصلًا عن حل.
خلال 2015، نما اقتصاد سنغافورة بنسبة 2%، وهي النسبة الأقل لمعدل النمو السنوي منذ عام 2008، عندما بدأ تأثر اقتصادها بتبعات الأزمة المالية، وتراجعت سنغافورة إلى المركز الرابع عالميًا من حيث التنافسية، بعد احتلالها المركز الأول لفترات طويلة ماضية.
وتعتمد سنغافورة في المقام الأول على قطاعي الخدمات واللوجيستيات، كونها تطل على مضيق يمر من خلاله 40% من التجارة العالمية، ومنذ الأزمة المالية العالمية يعاني اقتصادها صعوبات كبيرة في خلق معدلات نمو كالسابق.
التعليم كان من أهم أسباب اندفاع سنغافورة نحو التنمية بداية من سبعينيات القرن الماضي، يشهد الآن تراجع الرهان عليه، كقطاع أساسي لقيادة عمليات التنمية والتحديث، بسبب صعود العديد من القوى الآسيوية الأخرى، على رأسها الصين وكوريا الجنوبية، وتراجعت سنغافورة عن دورها كأكبر ميناء للحاويات في العالم لصالح شنغهاي الصينية.
عدد سكان سنغافورة البالغ 5.6 مليون نسمة لا يبدو مغريًا لنقل تجربتها إلى مصر – تقترب من 100 مليون - وخاصة مع التحديات السياسية التي لا تجعل من مصر مركزًا مستقرًا للتبادل التجاري، أو لاعتبار التجربة السنغافورية مثالًا.
قناة السويس تقف شاهدة على إمكانيات التعاون، لكن وضعها الحالي لا يشي بأن الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين تأتى بأية فائدة، مع تراجع عوائد المرور، وتعثر مشروع المنطقة الاقتصادية بشكل شبه كامل، وسيطرة التخبط والتضارب والعشوائية على المشروع ككل.
تبقى نقطة وحيدة، ربما هي الأهم عن الدولة الآسيوية البعيدة، مؤسس سنغافورة هو "لي كوان يو"، وحكمها منذ 1959، عقب فوزه بانتخابات تشريعية، حتى عام 1990، ليصبح واحدًا من أطول رؤساء الحكومات عمرًا فى السلطة، وبعد تسليم السلطة عاد من جديد كنائب لرئيس الوزراء حتى 2004، ومن ثم، تولى ابنه مقاليد السلطة، وأصبح الأب العجوز استشاريًا ووزيرًا موجهًا للدولة.
أما عن اليونان، فالوضع فيها يشغل الحيز الأهم من وسائل الإعلام العالمية منذ سنوات ثلاث، "دولة مدمنة إفلاس"، كما تُلقب عالميًا، ومنحت الجهات الدائنة -الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي- منذ 2010 اليونان 240 مليار يورو من المساعدات أو القروض.
وللمشكلة الاقتصادية باليونان جذور بعيدة، فاليونان سبق وأن أعلنت إفلاسها تمامًا أربع مرات، ومنذ آخر مرة أعلنت اليونان فيها الإفلاس في 1932، وتعيش منذ ذلك الحين أيضًا على الديون، ما جعل بعض المحللين يتوقعون إعلان اليونان عن إفلاسها مرة أخرى خلال السنوات السابقة بسبب الأزمات المالية العاصفة التي تضرب اقتصادها، فمنذ عام 2004 وحتى 2009 ارتفع الدين العام 70 مليار يورو إضافية، وارتفعت بناء على ذلك نسبة العجز والإنفاق العام.
ولا تقدم حكومات اليونان المتعاقبة معلومات حقيقية حول حجم ديونها، ففي حين أعلنت عام 2009 أن حجم ديونها أصبح 300 مليار يورو فقط، كشفت إحصائيات أخرى أن الديون تصل إلى تريليون يورو، بما نسبته 400% من إجمالي الدخل القومي، وفي مقابل هذه الديون المتتالية مرت اليونان بفترات اقتصادية عاصفة، فطلبت الحكومة اليونانية عام 2010 من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ اقتصادية تتضمن قروضا أوروبية لمساعدة اليونان ضد خطر الإفلاس والتخلف عن السداد.
الأخطر أمام اليونان، أن برنامج التقشف أدى إلى هجرة الكفاءات اليونانية للخارج. فقد هاجر إلى ألمانيا وحدها 23000 من الكفاءات والعمالة الفنية الماهرة، إضافة إلى أعداد كبيرة غادرت إلى بلاد أوروبية أخرى.
قبرص، الدولة الجزيرة الصغيرة المقسمة، يقوم اقتصادها على السياحة، وتعد سوقًا منافسة لشواطئ سيناء والساحل الشمالي، ما يعني أن التعاون مع سوق منافسة غير ممكن.
الممكن الوحيد فى العلاقات مع قبرص هو اتفاقيات استخراج الغاز من الحقول البحرية المشتركة، حيث وقعت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع مصر واليونان فى 2015، لتبدأ الدول الثلاث فى ترويج مشروعات استخراج الغاز من البحر المتوسط.
ومثل اليونان، خضعت قبرص لبرنامج إصلاح اقتصادي مفروض من الاتحاد الأوروبي، لمساعدتها على النهوض من أزمة اقتصادية عنيفة خلال 2012، لكنها أنهت برنامج المساعدة فى إبريل 2016، بعد تحقيق قدر معقول من الاستقرار.
(*) كاتب صحافي مصري