ارشيف من :آراء وتحليلات
مناورة فيلقية... لاستعادة الثقة وتوجيه رسائل
بدأت اسرائيل مناورة الفيلق الشمالي هي الاولى من نوعها منذ 19 عاما. وتحاكي المناورة حربا شاملة في مواجهة حزب الله، يشارك فيها 30 الف جندي نظامي واحتياطي. وتستمر 11 يوما وتحمل اسم "نور هدغان" في إشارة الى اسم رئيس الموساد السابق "مئير دغان" والذي كان قائد الفيلق الشمالي خلال آخر مناورة فيلقية أجراها الجيش في العام 1998. ويشارك في المناورة عدة فرق عسكرية وحوالي 30 لواء وعشرات السفن وطائرات سلاح الجو.
يشارك في المناورة عدة فرق عسكرية وحوالي 30 لواء وعشرات السفن وطائرات سلاح الجو
تأتي المناورة في سياق مهني عسكري، بهدف رفع مستوى الجاهزية والاستعداد. تبلورت الحاجة اليها لدى القادة العسكريين، في ضوء تقديراتهم لتعاظم التهديدات التي تشكلها الجبهة الشمالية. ونتيجة تطور قدرات وكفاءات حزب الله وتحديدا الهجومية منها. خاصة بعدما تطور التقويم الاسرائيلي لحزب الله من منظمة حرب عصابات، الى جيش محترف. ومن أبرز مَن تحدث عن الموضوع مستشار الامن القومي السابق لنتنياهو، اللواء يعقوب عميدرور، الذي رأى قبل نحو سنتين أنه في ضوء مشاركة حزب الله في القتال في سوريا "نشأ جيل من القادة العسكريين الذين يخوضون قتالا قاسيا، أكسب حزب الله ما كان يحتاج اليه كي يتحول الى قدرة أفضل بكثير". مضيفا أنه لم يسبق لاسرائيل أن "واجهت في الميدان تنظيما يملك خبرة قتالية كالتي يملكها حزب الله بعد تدخله في سوريا". وهذا المفهوم لا ينطبق فقط على ما سماه «المقاتلين النظاميين"، بل يشمل ايضا "رجال الاحتياط"، في اشارة منه الى عناصر التعبئة العامة التابعة للحزب. وخلص عميدرور الى أن "الحزب بعد القتال في سوريا، سيكون جوزة من الصعب جدا كسرها".
على المستوى السياسي، تهدف المناورة الى توجيه رسائل في أكثر من اتجاه تتمحور حول توجيه رسالة ردع من خلال الترويج لمفهوم أن المناورة تعبير عن انتقال الجيش من مرحلة الردع الى الحسم في أي مواجهة قد تنشب بين الجيش وحزب الله. يأتي التركيز على هذه الصورة بعدما باتت اسرائيل أكثر حاجة الى مثل هذه الرسالة في ضوء الظروف الاقليمية الحالية، ونتيجة فشل رهاناتها وخياراتها التي اعتمدتها في مواجهة حزب الله وسوريا. وبدلا من أن يركز المعلقون والخبراء على الجانب المهني من المناورة، وقعوا في فخ المبالغة في الدعاية وهو ما ساهم في توهين الرسالة – الهدف التي أرادوا ايصالها.
مع ذلك، تتعارض المناورة الفيلقية (بحجم فيلق) مع الصورة التي روجت لها اسرائيل طوال السنوات الماضية حول تحسن مكانتها الاستراتيجية بفعل زوال تهديد الجيوش النظامية. خاصة وأن المناورة تحاكي حربا شاملة مع حزب الله الذي يصنفه ضباط في جيش العدو (بحسب يديعوت احرونوت) أنه "الجيش الاقوى في الشرق الاوسط بعد الجيش الاسرائيلي". موضحا أن "حزب الله قادر على ادارة معركة على مستوى لواء، مع استخدام الطائرات المسيرة الهجومية، وجمع المعلومات الناجعة عبر الدمج مع الانفاق والكهوف الهجومية، وتفعيل نيران المدفعية الى جانب استخدام الدبابات وكذلك تجميع قوات مدربة بسرعة بحجم 4000 مقاتل خلال فترة زمنية قصيرة في منطقة التجمع، كما فعل في احدى عملياته الاخيرة ضد داعش". بعبارة أخرى، تهدف المناورة الى مواجهة تهديد متعاظم على الامن القومي الاسرائيلي.
انسجاما مع الخطة الاعلامية – الدعائية التي تعتمدها تل ابيب، ركزت فرضية المناورة على أن إسرائيل في موقع المدافع فيما الطرف المقابل في موقع المبادر "للاعتداء" عليها. وتمحورت الفرضية حول أن حزب الله بادر الى شن هجوم اخترق من خلاله الاراضي الاسرائيلية وسيطر على احدى المستوطنات، الامر الذي أدى الى تدهور الوضع نحو حرب شاملة معه.
لكن بالاستناد الى المعادلة الحاكمة في الصراع، يدرك العدو أن سعي حزب الله لاقتحام مستوطنات في الجليل، لن يأتي الا في إطار ردة فعل على عدوان اسرائيلي ابتدائي.. وهو ما لم تتم الاشارة اليه في "فذلكة" المناورة.
في كل الاحوال، يناور جيش العدو لمواجهة مقاومة استطاعت أن تسلبه الثقة بالقدرة على هزيمتها. وفي محاولة للتحايل على هذه الحقيقة يعمدون في تل أبيب الى محاولة إعادة صياغة مفهوم الهزيمة والنصر. فما كان نصرا في الادبيات الاسرائيلية لم يعد في متناول الايدي، وما كان انجازا في الطريق تحول بذاته الى النصر المرتجى. ومع ذلك دونه عقبات أقل ما يمكن وصفها بأنها أثمان باهظة.