ارشيف من :ترجمات ودراسات
الإندبندنت البريطانية: الحرب اقتربت من نهايتها في سوريا..ويبدو أن الأسد هو المنتصر
الكاتب : روبرت فيسك
عن صحيفة الإندبندنت البريطانية بواسطة موقع Le Grand Soir الالكتروني
11 أيلول / سبتمبر 2017
كنا جميعاً منشغلين بانتظار أن يعلن ترامب عن إطلاق الحرب العالمية الثالثة، لكننا لم نلحظ أن خارطة الحرب في الشرق الأوسط قد تغيرت إلى حد كبير. لا بد من مرور سنوات عديدة قبل إعادة إعمار سوريا والعراق (واليمن)، وقد يجد الإسرائيليون أنفسهم مجبرين على الطلب إلى بوتين أن يخرجهم من الورطة التي زجوا أنفسهم فيها.
وصلتني الأسبوع الماضي على هاتفي المحمول رسالة من سوريا. تقول تلك الرسالة: "الجنرال قدور وفى بوعده". وكنت أعرف ما يعنيه ذلك.
الرئيس بشار الاسد
التقيت قبل خمس سنوات بمحمد قدور، وكان يومها يقود جنوداً سوريين عدة في ضاحية صغيرة من ضواحي حلب. وكانت هذه الضاحية تعيش تحت قصف المقاتلين الإسلاميين المتمركزين في القسم الشرقي من المدينة. وقد أراني يومها خارطة جبهة القتال وقال بأنه سيسترجع هذه الشوارع في غضون أحد عشر يوماً.
وبعدها، رأيت قدور مجدداً في تموز / يوليو من العام نفسه في شرقي الصحراء السورية. وقال لي بأنه سيدخل مدينة دير الزور المحاصرة قبل نهاية شهر آب / أغسطس. ذكرته عندها، بشيء من القسوة، بما قاله لي عندما رأيته آخر مرة من أنه سيسترجع قسماً من حلب في غضون أحد عشر يوماً، في حين لم يتمكن الجيش السوري من فعل ذلك إلا بعد أربع سنوات. أجابني بأن ذلك قد مضى عليه زمن طويل وبأن الجيش لم يكن في تلك الأيام يحسن القتال في حرب عصابات، وبأن الجيش كان قد تدرب فقط من أجل تحرير الجولان والدفاع عن دمشق. وأضاف بأن الجيش قد تعلم خلال هذه المدة كيفية خوض حرب العصابات.
وبالفعل، كان ذلك صحيحاً. ففي الصحراء، قال لي قدور بأنه سيقصف مدينة السخنة (الروس هم من سيفعلون ذلك بشكل رئيسي)، وبأن جنوده السوريين سيدخلون دير الزور المحاصرة منذ ثلاث سنوات لتحرير 80 ألفاً من المدنيين وعشرة آلاف جندي. وقال أيضاً بأنه سيصل إلى دير الزور قبل 23 آب / أغسطس. وقد نفذ تعهداته هذه بشكل إجمالي. والآن، يتجه قدور نحو المناطق الأخرى في دير الزور ونحو الحدود السورية-العراقية.
وبالنظر إلى كون حلب قد أصبحت في يد الحكومة، بينما أصبحت محافظة إدلب سلة نفايات [مليئة] بالمتمردين الإسلاميين (بمن فيهم مسلحو تنظيم داعش) الذين سمح لهم بالالتجاء إليها بعد أن غادروا الأحياء التي كانوا يسيطرون عليها في المدن السورية... يبدو، مع تحرير دير الزور ووصول قدور إلى الحدود العراقية، أن ما كان غير قابل لأن يكون مفكراً به في الغرب قد حصل فعلاً: قوات بشار الأسد قد ربحت الحرب.
ولا يقتصر الأمر على "يبدو". فحسن "نمر" صالح، الضابط المفضل في سوريا، والذي تحدثت عنه وزارة الدفاع الروسية مرتين، قد وصل إلى دير الزور، وتحديداً إلى الموقع الذي ترابط فيه الكتيبة 137 من الجيش السوري، وانضم إلى هذه الكتيبة وهي تقاتل، في حين كان قدور، قائده وصديقه، يتهيأ لتحرير القاعدة الجوية في المدينة.
كم هو عد الأشخاص الذين يتذكرون اليوم الذي قام فيه الأميركيون بقصف الجنود السوريين قرب تلك القاعدة الجوية وبقتل أكثر من ستين من هؤلاء الجنود، الأمر الذي سهل على داعش فصل القاعدة الجوية عن باقي المدينة ؟ ولم يصدق السوريون مطلقاً أن ما اقترفه الأميركيون كان "خطأً" كما زعموا. كان الروس وحدهم هم من قالوا للقوات الجوية الأميركية بأنها تستهدف القوات السورية.
ويبدو أن البريطانيين قد فهموا الرسالة. فقد قاموا الأسبوع الماضي، سراً وفي الخفاء، بترحيل المدربين العسكريين البريطانيين. وكان من المقرر أن يقوم هؤلاء المدربون بإعداد الـ "70 ألف مقاتل" مزعوم، الذين كان دافيد كاميرون عازماً بزعمه على استخدامهم في إسقاط حكومة الأسد. وحتى تقرير الأمم المتحدة الذي ذكر أن النظام قد قتل، الصيف الحالي، أكثر من 80 مدنياً خلال هجوم بالغاز، لم يثر غير القليل من اهتمام الساسة الأوروبيين الذين كان من عادتهم أن ينقبوا بمنتهى الحرص عن جرائم الحرب في سوريا، والذين ساندوا هجوم دونالد ترامب بالصواريخ البالستية على قاعدة جوية سورية.
وماذا عن الإسرائيليين؟ كانوا في الحقيقة يعولون على إسقاط الأسد ويصلون إلى حد قصف قواته وقوات حلفائه من الإيرانيين وحزب الله، كما كانوا لا يبخلون بتقديم خدمات طبية في مستشفياتهم للمقاتلين الإسلاميين في سوريا. ولم يكن من المستغرب، على ما قاله الروس، أن يكون بنيامين نتنياهو على هذه الدرجة من "الهيجان" و"الانفعالية"، خلال لقائه مع بوتين في سوتشي. فإيران هي، على ما قاله بوتين، الحليف الاستراتيجي لروسيا في المنطقة، في حين لا يشكل الإسرائيليون بالنسبة لروسيا غير "شريك مهم". وهذا ليس بالشيء نفسه، كما أنه ليس ما كان نتنياهو يريد سماعه.
انتصارات السوريين تتلاحق الواحد بعد الآخر، وهذا يعني أن الجيش السوري قد أصبح اليوم أحد الجيوش التي عركتها الحروب أكثر من غيرها بكثير في المنطقة. والجنود السوريون يقاتلون من أجل حياتهم وباتوا مدربين على التنسيق والاستخبارات في ظل غرفة عمليات واحدة. وكما شرحته هذا الأسبوع، شارمين نرواني، الباحثة السابقة في St Antony’s College، فإن هذا التحالف بين سوريا وحلفائها قد أصبح مدعوماً اليوم من قبل عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، أي من قبل روسيا والصين.
ما الذي سيفعله الإسرائيليون إذاً؟ كان نتنياهو مهووساً بالبرنامج النووي الإيراني إلى الحد الذي لم يتخيل معه أبداً، شأنه شأن أوباما وهيلاري وترامب وكاميرون وماي وهولاند وغيرهم من أفراد النخب السياسة الغربية، أن الأسد يمكنه أن يربح الحرب، وأن الجيش العراقي يمكنه أن يخرج أقوى من بين أنقاض الموصل..
نتنياهو ما زال يقدم الدعم للأكراد، لكن لا مصلحة على الإطلاق لكل من سوريا وتركيا وإيران والعراق في دعم الطموحات القومية الكردية، وذلك بالرغم من الدعم الأميركي للميليشيات الكردية في قوات سوريا الديموقراطية المزعومة (التي لا يمكنها أن تكون "قوة" من غير الإسناد الجوي الأميركي).
وفي حين كنا ننتظر جميعاً أن يقوم دونالد ترامب وكيم جونغ-أون بإطلاق الحرب العالمية الثالثة، لم نلحظ أن خارطة الحرب في الشرق الأوسط قد تغيرت إلى حد كبير. لا بد من سنوات عديدة تمر قبل إعادة إعمار سوريا والعراق (واليمن)، وقد يكون على الإسرائيليين المعتادين على طلب العون من واشنطن أن يتوجهوا اليوم نحو بوتين لكي يخرجهم من الورطة التي زجوا أنفسهم فيها.
أما اليمين الإسرائيلي الذي كان يؤكد أن الأسد يشكل خطراً أكثر من داعش، فإن عليه الآن أن يراجع موقفه لأنه قد يجد نفسه مجبراً على التوجه إلى الأسد إذا ما شاؤوا ضمان الأمن على حدودهم الشمالية.