ارشيف من :ترجمات ودراسات
الحرب غير الضرورية
شريف عبد البديع (صحافي مصري)
وسط جدال لا يزال يدور حول السلام وهل كان ما تم ابرامه من اتفاقيات ومعاهدات مع "اسرائيل" سلاما حقيقيا ام مجرد استسلام، ووسط الجدل الذي لا يزال يدور حول شخصية الرئيس السادات وهل كان خائنا ام مهادنا ام عبقريا... نرى ان هذا الجدل يكشف عوارا كبيرا داخل المجتمعات والنخب العربية لسببين رئيسيين:
اولهما ان الاحداث والمآلات اثبتت زيف السلام ووعوده وانها مكنت "اسرائيل" من التمدد وغلّت ايدي من عقدوا معها هذه الاتفاقيات.
وثانيهما ان الوثائق لم تترك مجالا للجدل لانها ارخت واثبتت بما لا يدع مجالا لشك ما حدث.
وكنموذج صغير نستعرض ما جاء بمقال لشاهد من اهل الصهاينة وكيف تناول الاحداث ودعمها بالوثائق.
تكشف الوثائق اليوم مجدداً ان السادات لم يكن يحارب لينتصر
الحرب غير الضرورية
كتب المؤرخ الصهيوني يجال كيبينز وهو استاذ بجامعة حيفا مقالا لجريدة لوس انجلوس تايمز عنْوَن له بالحرب غير الضرورية، وهي بحسب الكاتب حرب كيبور التي بدأت منذ اربعين عاما في مثل هذا الشهر متسائلا هل كانت حتمية أم كان ممكنا تجنبها؟
يأتي تساؤل المؤرخ على ضوء ما تكشف من وثائق افرجت عنها مؤسسات الكيان الصهيوني والمتصلة بالارشيف الامريكي والتي قطعت انه كان في الإمكان تجنبها.
هكذا يجيب المؤرخ الصهيوني ببساطة، فقد أوضحت السجلات أنه وفي الشهور التي سبقت بداية الحرب، أن رئيسة الوزراء جولدا مائير التي دأبت علي تقديم نفسها بوصفها لا تكل ولا تمل بحثاً عن السلام كانت حازمة في رفضها لعروض السلام التي قدّمها الرئيس المصري انور السادات.
يقول المؤرخ "كان رفض السيدة مائير مكلفاً وكلف الجانبين ثمناً باهظأ في اكتوبر/تشرين"، ورغم عدم إشارة المؤرخ للاتصالات التي بدأت مع تولي السادات السلطة في مصر وبحثه الحثيث لعرض السلام مع الكيان الصهيوني منذ مبادرة فبراير 1971 ولا اشارت مقالته أيضا لمحاولات كمال ادهم رئيس الإستخبارات السعودية التوسط بينه وبين الولايات المتحدة لحثها على لعب دور الوسيط والتدخل لإبرام هذا الإتفاق.
السادات المحبط بدأ حربه ناوياً بدء عملية سلام والتفاوض لاسترداد الارض التي استولي عليها الجيش الاسرائيلي خلال حرب الايام الستة 1967 والتي افضت الى خسائر فادحة بالجانبين فالالاف قتلوا غير العديد من الجرحى والمصابين، هكذا يشير المؤرخ لما إكتشفه من وثائق بشأن حرب اكتوبر/ تشرين الأول، مضيفا ان "اسرائيل قامت بتجميع قوتها ثانية وقامت بهجوم مضاد الا أن السادات تمكن من تحقيق هدفه المنشود بدفع الاسرائيليين الي مائدة التفاوض في النهاية".
قطعا المؤرخ يسرد وقائع متعلقة بشخصية السادات لا مصر الرسمية التي رفضت خمس محاولات لعقد إتفاق سلام مع الصهاينة بعد عدوان يونيو/ حزيران 1967 كما أوضح شيمون بيريز نفسه عدة مرات .
في العام 1979 وقع الجانبان معاهدة سلام والتي من خلالها وافق الاسرائيليون علي الانسحاب من الاراضي المصرية التي احتلوها في العام 1967 وهو الشيء الذي اعتبرته جولدا مائير قبل الحرب مرفوضاً.
ناقشات سرية تضمنت اكاذيب عن نية مائير في اقرار السلام في الشرق الاوسط
يقول المؤرخ "أفادت الوثائق أن قناة سرية بين هنري كسينجر مستشار الامن القومي للرئيس نيكسون وبين جولدا مائير شملت اسحاق رابين سفير اسرائيل في الولايات المتحدة آنذاك وكذلك الدبلوماسي الاسرائيلي سمحا دينتز كوسيط أماطت اللثام عن مضمون برقيات تضمنت مناقشات سرية بين السفراء الاسرائيليين وكسينجر في مرحلة ما قبل الحرب وتضمنت اكاذيب عن نية مائير في اقرار السلام في الشرق الاوسط".
في تلك الاتصالات السرية تحدثت مائير بشكل حازم وعدواني يحبط اي مبادرة سرية لتحقيق السلام تتضمن الاعتراف بسيادة مصر على سيناء.
لكن واثناء حرب اكتوبر 1973 اكدت الوثائق أن كيسنجر قابل مبتعثاً رفيع المستوى أرسله السادات لعرض اتفاق سلام بين اسرائيل ومصر.
وكان السادات واضحاً في رسالته لكيسنجر قائلاً ان البديل الوحيد للتفاوض قبل الانتخابات الاسرائيلية هو خطوة عسكرية!!
وقد أيده كيسنجر في طرحه من زاوية انه من المفيد وضع الشعب الاسرائيلي بين خيارين السلام والحرب، ولنر ماذا سيختار الشعب الاسرائيلي.
كان كيسنجر يرى أنه من مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة معاً الاستفادة من مبادرة السادات بانسحاب اسرائيل من سيناء والعودة لحدود يونيو/ حزيران ١٩٦٧.
عقب ذلك بيومين اطلع كيسنجر جولدا مائير على مباحثاته مع مبعوث السادات واطلعها علي عرض السادات للسلام وقال انه من الممكن تغيير موقف السادات بخصوص اجراءات الامن وهو العرض الذي سبق وان ارسله السادات عبر تشاوشيسكو-الرئيس الروماني الذي كان ينقل رسائل بين اسرائيل والسادات - خطة لتقسيم سيناء الي ثلاث مناطق كما هي مقسمة في معاهدة السلام وكامب ديفيد مبكراً في العام 1971 - ووافقت جولدا مائير واقرّت بموافقتها علي عرض السادات والانسحاب من سيناء ولكنها فضلت ان تتنظر نتيجة الانتخابات في نهاية اكتوبر 1973 اي انها فضلت احتمال الحرب على خيار السلام وفق كيسنجر الذي شعر باليأس.
يقول المؤرخ وفق المستندات المكشوف عنها، ان رابين سجل ملخصاً للخطوط العريضة لخطة السادات - كيسنجر والتي تتضمن الانسحاب من سيناء والعودة للحدود الدولية بإجراءات امن خاصة وتغيير في الحدود الدولية يكون طفيفاً.
بعدها اتصل بكيسنجر وقال ان اسرائيل لن تغير موقفها.
حاول كيسنجر من خلال هذه القناة السرية تغيير موقف مائير المعاند الا انه فشل ولم يمارس اي نوع من انواع الضغط عليها. بعد ذلك بأسبوع سمعت صفارات الانذار في اسرائيل معلنة عن بدء الحرب فقد ادرك السادات بعد محاولات عروض سلام عديدة أن الاتفاق مع الاسرائيليين مستحيل.
كشفت لنا الوثائق التي كشف عنها الجانب الصهيوني أو التي يظهرها الأمريكي أن السادات كان عازمآ من اليوم الاول لتوليه السلطة أن يقيم علاقات طبيعية ويعقد إتفاق سلام مع العدو الصهيوني، ولا يمكننا التغافل عن أنه حين اتصل، أعلمه بتفاصيل العملية "عصفور الخاصة" بالتنصت علي السفارة الامريكية في القاهرة، وبوصفه رئيس الجمهورية الجديد سارع بإبلاغ كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية الذي بدوره أخبر الامريكان وانكشفت العملية .
مبادرة فبراير 1971 التي طرحها السادات بالإنسحاب الجزئي للجيش الاسرائيلي شرق القناة وفتح القناة للملاحة وبدء مفاوضات بين مصر واسرائيل كانت محاولة جادة ورسالة من السادات لأصدقائه الصهاينة ولكنهم استخفوا به، أيضا إلقاؤه القبض على رجال يوليو المعارضين لنهجه الإنهزامي في يوم 13 مايو 1971 ثم قرر الإحتفال ب 15 مايو والتي أسماها ثورة التصحيح ليتزامن ذلك وَيَا للصدف مع يوم الإستقلال لدى الكيان الصهيوني والتي كانت رسالة واضحة للعدو الصهيوني الذي إستخف به مرة أخرى.
تكشف لنا الوثائق اليوم مجدداً ان السادات لم يكن يحارب لينتصر، بل لم ير الحرب الا مباراة شطرنج ضحى فيها بالكثير من القطع لا لينتصر ويهزم خصمه، بل ليتعادل ويحصل على لقب لاعب دولي.