ارشيف من :آراء وتحليلات

مخرجات الاستفتاء..ازمات سياسية وانهيارات امنية!

مخرجات الاستفتاء..ازمات سياسية وانهيارات امنية!

خلال خمسة ايام فقط لا اكثر، تعرضت عدة مدن عراقية، من بينها المسيب وذي قار والمقدادية وبغداد لعمليات ارهابية حصدت ارواح عشرات الناس الابرياء من العراقيين وغير العراقيين.

في الثالث عشر من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، اسفر تفجير مركبة صغيرة(ستوتة) في منطقة زيونة شرقي بغداد، عن استشهاد واصابة خمسة اشخاص، وفي نفس اليوم هاجم ارهابيون بسيارة عسكرية مفخخة نقطة تفتيش في مدخل قضاء المسيب شمال محافظة بابل، وقتلوا عددا من عناصر الامن والمدنيين.

وفي السادس عشر من هذا الشهر، استهدف ارهابيون برمانات يدوية واسلحة خفيفة ومتوسطة جمعا من المواطنين في قضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى، وازهقوا ارواح عدد منهم.
بينما كان العمل الارهابي الاكثر دموية، هو استهداف سيطرة عسكرية ومطعَمين سياحيين على الطريق الخارجي الرابط بين محافظتي المثنى وذي قار، وتحديدا في مدينة البطحاء، في الرابع عشر من الشهر الجاري، حيث سقط اكثر من ثمانين شهيدا بعضهم عراقيين والبعض الاخر من الزوار الايرانيين، الى جانب سقوط اكثر من مئة جريح.

مخرجات الاستفتاء..ازمات سياسية وانهيارات امنية!

مخرجات الاستفتاء..ازمات سياسية وانهيارات امنية!

ولعل المشهد العام لم يقتصر على العمليات الارهابية الآنفة الذكر فقط، بل ان عمليات ارهابية اخرى مماثلة حدثت في مدن ومناطق اخرى، متزامنة معها، او قبلها او بعدها، ولم تكن العمليات المشار اليها الا نماذج وعينات اريد منها القول ان هناك تراجعا أمنيا، واختراقات خطيرة، في مدن عُرف عنها انها خارج دائرة الفعل الارهابي النوعي، كما هو الحال مع محافظة ذي قار، وكذلك المثنى، التي تعرضت قبل شهور قلائل لاعمال ارهابية غير مسبوقة.

ترافق ذلك التراجع الامني مع تأزيم-او تأزم- سياسي كبير، من غير المستبعد ان يدفع البلاد الى مزيد من الأنفاق المظلمة، اذا ما استمر وتواصل في ظل التعنت بالمواقف والابتعاد عن الواقع.

مشروع الاستفتاء الكردي على الانفصال المزمع اجراؤه في الخامس والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، أربك المشهد السياسي العراقي الى حد كبير، وساهم في خلط الاوراق، ولأن الملفات متداخلة ومتشابكة في العراق، فمن الطبيعي جدا ان ينعكس الاحتقان والتأزم والتشنج السياسي على الوضع الامني، ولعل تجارب الاعوام الاربعة عشر الماضية اثبتت وأشرت بوضوح الى هذا الامر.

ومن دون شك، ان الكثير من المواطنين العراقيين، يشعرون بالتوجس والقلق، واكثر من ذلك يترقبون ماذا سيرتكب تنظيم "داعش" الارهابي من جرائم دموية، بعد كل تصعيد وتأزم وتأزيم سياسي بين الفرقاء.

وطبيعي ان التأزم والتأزيم السياسي، يغلق ابواب الحوار والتفاهم بين الشركاء-او قل الفرقاء-بحيث يجعل البعض منهم يتوسلون بأساليب وادوات اخرى، او في ادنى تقدير يلوحون بها.

ومع ان قيام رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بإعلان حالة الطوارئ في كركوك ردا على القرار الكردي بشمولها في الاستفتاء تمهيدا لضمها الى الاقليم، يعد خطوة ضرورية، الا انها من جانب اخر، يمكن ان توسع دائرة التشنج والاحتقان، وترفع مستويات التصعيد.      

أضف الى ذلك، فإن من يراقب ويتابع خطاب الازمة بين الاكراد الساعين للاستفتاء والانفصال من جهة، والقوى والشرائح السياسية وغير السياسية العراقية الرافضة لذلك من جهة اخرى، يلمس بكل وضوح التهديدات النارية، التلويح بالحرب والقتال، الى جانب الاستحضارات والاستعدادات العسكرية، حتى ليبدو ان الحرب واقعة لا محالة.

مخرجات الاستفتاء..ازمات سياسية وانهيارات امنية!

رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني مصرّ على اجراء الاستفتاء لاقامة دولة كردية

في ذات الوقت، فإن اطرافا سياسية داخلية وخارجية، تجد في هذا الواقع السياسي المتأزم فرصة ذهبية لتعكير الاجواء الامنية، وبث الفوضى، وهي ان لم تكن منفذة، فأنها تساهم في تهيئة الارضيات للجماعات الارهابية، عبر وسائل الاعلام والمنابر السياسية، لارتكاب الاعمال الاجرامية ضد المدنيين ومؤسسات الدولة.

واذا كانت سلسلة العمليات الارهابية الاخيرة قد استهدفت مدنًا ومناطق وسط وجنوب العراق، فإن استمرار التصعيد والتأزيم السياسي، قد يفضي الى وقوع عمليات ارهابية عديدة في ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، لاسيما مدينة كركوك، بل انه حتى مدن ومناطق اقليم كردستان لن تكون بمنأى عن الافعال الارهابية الدموية، سواء كان المنفذ لها تنظيم "داعش"، او اطراف اخرى، وربما كان الهجوم الذي نفذه اربعة مسلحين في السابع عشر من الشهر الجاري على قاعدة عسكرية اميركية صغيرة في جنوب مدينة اربيل، اشارة اولية الى امكانية وقوع عمليات ارهابية اشمل واوسع في الاقليم، وطبيعي ان الجماعات الارهابية او اي طرف له مصلحة في خلط الاوراق وارباك الاوضاع في كردستان، سيعمل على استغلال وتوظيف الخلافات الحادة بين الفرقاء الاكراد.

ما نريد قوله هنا، هو ان أحد ابرز تداعيات وافرازات ازمة الاستفتاء السياسية، مشهد امني أكثر اجراما ودموية في مختلف مدن ومناطق العراق، فضلا عن الاقتتال الذي يمكن ان يندلع ويتصاعد في المناطق المتنازع عليها-مناطق التوتر والاحتقان-فضلا عن عزلة كردية يترتب عليها المزيد من الازمات السياسية والاقتصادية والامنية في داخل الاقليم، وربما يكون ما خفي اعظم واسوأ وافظع.

ما زال هناك وقت لتحكيم العقل والمنطق، والتراجع عن السير في طرق وعرة وشائكة-بل موصدة-لأن الاصرار على الاستفتاء يعني انتظار مشاهد وصور مماثلة لمشهد وصورة عملية الناصرية الارهابية في مواقع اخرى، بجنوب البلاد او وسطها او شمالها.

2017-09-17