ارشيف من :نقاط على الحروف

العابرون من دير الزور إلى سوريا الواحدة

العابرون من دير الزور إلى سوريا الواحدة

لقد حاصرتمونا بشكل خانق وخلقتم لدينا الجحافل التي بها سنهزمكم: " اليأس "
(صرخة الشاعر الفرنسي البير كامو ضد النازية)       
           

لم يصدق أحد ان القيادة السورية ستقاتل بهذا الثبات والعناد دون هدفها في تحرير أخر شبر من ترابها، الأمريكيون كانوا يتوقعون أن ترضخ للضغوط، راهنوا على غاراتهم على القوات السورية، ورسائل سياسية لهز هذه القيادة كيما ترتعد فرائصها فترضخ وتقبل بامريكا شريكاً في الحل. حتى بعض المحللين الروس انطلت عليهم الحيلة، فبدوا مهزوزين من الداخل، متشككين ، هذا كي لا نذهب في تفسيرات أبعد .

قبل دير الزور

قبل شهرين من الأن رأى ألكسندر شاركوفسكي في مقال نشرته "نيزافيسيمايا غازيتا"، أن  دمشق ستضطر " إلى الاعتراف بفقدها شمال البلاد (منطقة الحكم الذاتي الكردية)، مضيقا بأن واشنطن لا تنوي التوقف عند هذا. بعد أن بدأت "قوات سوريا الديمقراطية" هجومها على مدينة الرقة من ثلاثة محاور! .  

العابرون من دير الزور إلى سوريا الواحدة

الجيش السوري في دير الزور

بعده بزمن قصير رأى إيفان كونوفالوف الذي يُعدونه ( خبيراً) في القضايا الستراتيجية بأن" ما يشاع في وسائل الإعلام الأمريكية، وما  يجري على الأرض من دعم امريكي  يشي بأن التطورات في سوريا تماثل ما شهدته الجبهات الألمانية سنة 1944 " !، حينما قرر الأمريكيون  فتح الجبهة الثانية على ألمانيا النازية بالرغم من أنها كانت تحتضر مع تقدم الجيش الأحمر وذلك بغية حجز حصتها في اقتسام اوروبا. ويرى أن هجوم ما يسمى "جيش سوريا الديمقراطية " باتجاه الرقة في ربع الساعة الأخيرة هو من هذا القبيل. ليخلص بعدها إلى أن " الأمريكان لا يريدون شيئا في سوريا سوى البقاء في المناطق التي يشغلها حلفاؤهم الآن على الضفة الشرقية للفرات " وصولاً للتقسم  !! . من بين أولئك (المحللين  كان  المختلف فياتشيسلاف ماتوزوف رئيس رابطة التعاون الروسي العربي  وأحد السياسين المخضرمين حيث قال بثقة " أن روسيا ترفض جملة وتفصيلا أي خطط لتقسيم سوريا " ، ولعل ثقته  تنبع من كونه قريب من مطبخ الرئيس بوتين، ومن القيادة السورية ماسمح له القول: "إذا ما أرادت الولايات المتحدة الإقرار بشرعية السلطات السورية، سيتعين عليها في مثل هذه الحال الاعتراف بسيادة هذه السلطات على جميع الأراضي السورية بمافيها تلك الخاضعة للأكراد في الوقت الراهن".

بعد دير الزور

الرسائل اصبحت الأن عكسية ، فقد شكا مسؤول في "قوات سوريا الديمقراطية "، بأن طائرات روسية وقوات سورية، قامت باستهداف قواته في دير الزور. فيما تتوافد الأنباء عن عبور قوات سورية نحو الضفة الشرقية لنهر الفرات عند المدينة المذكورة ؛ يعرف هذا بالستراتيجيا بـ "جس النبض" . وهو هنا لمعرفة نوع الرد الذي قد تلجاء إليه أمريكا في الميدان ، وليس لأختبار إمكانية الرد نفسه؛ فأمكانية الرد غير مُستبعدة في حسابات القيادة السورية، والدليل عليه ما قالته مستشار الرئيس الدكتورة بثينة شعبان منذ يومين من أن سوريا ستقاتل اية قوة عسكرية تتمرد على الشرعية "سواء كانت قوات سوريا الديمقراطية أو داعش ... " ، لكن اللافت فيما يتصل بالأمريكين قولها بأن بلادها ستقاتل "اية قوة أجنبية غير شرعية موجوده في البلد تدعم هؤلاء" ، أي "التحالف الغربي " الداعم  "لقوات سوريا الديمقراطية" ! ؛ ولعل من الحسابات السورية ان القوات المذكورة لايمكن ان تشكل رصيداً تستند عليه امريكا وحتى في إطار حل جزئي! ، باعتبارها غير متجانسة، وحيث تتداخل فيها عناصر وطنية موالية للسلطة في دمشق. أومن اتجاهات سياسية واثنية لا تميل للأنفصال عن الوطن الأم ، ولا تتقاطع مع الأخرين من مؤيدي الأنفصال إلا بمعاداة "داعش". عودٌ على بدء، إن سوريا ليست كما قال شاركوفسكي اشبه بحال " اوروبا صيف عام 1944" ، كما وان الأمريكيون صيف 1944 غير الأمريكيون خريف 2017  !! ، وبعد ان مر على ذقنهم موس افغانستان والعراق، وفيتنام من قبل، وبناء عليه فهم يتهيبون التورط عند شطئان الفرات، وحيث القيادة في دمشق ابدت جدية في تحقيق أهدافها حتى ولو أدى الأمر لشن مقاومة على القوات الأمريكية ومن تناصرهم !.

ان سوريا اليوم مع فك الحصار عن دير الزور على ابواب عام 1943 حينما انهار الحصار النازي  لـ"لينينغرد" – بيتروغراد حالياً - وكان ذلك إذاناً بانهيار المانيا النازية . ربما يسجل لدير الزور نقاط أكثر بأنها صمدت لثلاث سنوات في وجه حصار عاتٍ ، فيما دام حصار لينينغراد سنة واربعة اشهر ، وستالينغراد 6 اشهر . كما وأبرزت سنوات الحصار تلك قدرات قائد حاميتها العميد عصام زهر الدين، براعةً فائقةً في التنظيم العسكري واللوجستي في ذات الوقت الذي توجب عليه تأمين حياة ومتطلبات العيش للمدنين المحاصرين معه. وعند هذه المواقف الأستثنائية والصعبة تمتحن شجاعة القادة وصبرهم ومواهبهم.

الخلاصة، مازال امام سوريا قتال وربما ليس أقل صعوبة مما مضى، غير أن قيادتها باتت تمتلك قوة قادرة على التحرك بيسر بعد فك الحصار عن حلب ودير الزور. وعليه فإن عبور جيشها للفرات غرباً، رسم مسبقاً خطاً قطع الطريق على أحتمالات الخطوط  حمراء أو صفراء! ، ولطالما هذه كانت من وحي التجارب مقدمات للتقسيم . لقد كان صمود دير الزور  محطة تاريخية سيعبر بعدها العابرون إلى سوريا الواحدة .


 كاتب من لبنان

2017-09-18