ارشيف من :نقاط على الحروف

’إسرائيل’ ترفض الاتفاق النووي... وعاجزة عن تغييره

’إسرائيل’ ترفض الاتفاق النووي... وعاجزة عن تغييره

بالتزامن مع لقاء ترامب - نتنياهو، والقاء الاخير كلمة له في الامم المتحدة، يحتل الموقف من الاتفاق النووي محور السجال الداخلي في كل من تل ابيب وواشنطن، وبينهما ايضا.. يستند هذا السجال إلى حقيقتين الاولى أن تداعيات الاتفاق - الذي مضى عليه نحو سنتين - ومخاطره، بدأ الطرفان الأميركي والإسرائيلي يتلمسانها على مستوى المنطقة.. والثانية فوز الرئيس ترامب الذي تعهد بتمزيقه خلال الحملة الانتخابية.

المشكلة التي تواجهها تل أبيب، أن هناك هوة واسعة بين ما ينبغي وما ترغب أن يكون -بمعيار مصالحها-  وبين قيود الواقع الذي فرضته الجمهورية الاسلامية بصمودها وحزم قياداتها وحكمتها، وأدى هذا الواقع - وما زال - إلى تجاذب داخل المؤسسات السياسية والأمنية في تل ابيب، فلا هم قادرون على التعايش مع هذا الواقع ولا هم قادرين على إحداث تغيير جذري في معادلات القوى التي تسمح بفرض شروطهم.. والاشد خطورة أن التقديرات التي تقدمها اجهزة استخبارية، وتحديدا الموساد، بأن مستقبل ايران والمنطقة سيكون أشد خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي، وايضا على المصالح الأميركية.

في المقابل، كشفت صحيفة هآرتس، أن موقف غالبية الدوائر المهنية ذات الصلة في "إسرائيل"، مثل الاستخبارات العسكرية وشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي والموساد ووزارة الخارجية ولجنة الطاقة الذرية، يعارضون توجهات نتنياهو بالدفع نحو الغاء الاتفاق أو حتى محاولة تعديله (الذي سيعني عمليا الغاءه).

’إسرائيل’ ترفض الاتفاق النووي... وعاجزة عن تغييره

"إسرائيل" ترفض الاتفاق النووي... وعاجزة عن تغييره

وتعود معارضة هذه الاجهزة إلى تقديرهم بأن الاتفاق رغم كونه سيئا بالنسبة لـ"إسرائيل"، الا أنهم يرون أن انسحاب الولايات المتحدة منه سيُنتج وضعا أسوأ بكثير.. وتستند هذه المخاوف إلى تقدير لديهم بأن القيادة الايرانية الممثلة بالامام الخامنئي، سيتخذ قرارا بالرد القاسي، وهو ما عاد وأكده في كلمة خلال مراسم تخريج ومنح الدرجات والرتب العسكرية لضباط جامعة علوم الشرطة بطهران أمس الأحد، بالقول أنه في حال "ارتكاب الولايات المتحدة أي خطوة خاطئة فيما يخص الاتفاق النووي سيلقى ردة فعل من جانب الجمهورية الاسلامية الايرانية".

ومن أبرز سيناريوات الرد الايراني المرتقب، على فرض عقوبات ممنوعة بنص الاتفاق النووي، العودة إلى ما كان عليه البرنامج النووي لجهة كميات اليورانيوم ودرجة التخصيب وعدد أجهزة الطرد، خاصة وأن ايران أنتجت وطوَّرت جهاز طرد جديد توازي قوته نحو 20 ضعف بعض الاجهزة الموجودة لديها الآن.

 

في النتيجة، سيحشر هذا الموقف كلا من واشنطن وتل ابيب، ويضعهما أمام خيارات كلها صعبة ومن ضمنها المبادرة إلى هجوم عسكري وهو ما لا يريده أي منهما كلٌ لاسبابه.

وما سيفاقم المشكلة الإسرائيلية - الأميركية، أن الدول العظمى الاخرى، بحسب تقديرات الاجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، لن تنسحب من الاتفاق، لأن ايران تلتزم به وبالتالي لن يؤدي ذلك إلى عزل الجمهورية الاسلامية، أو إعادة فرض عقوبات اقتصادية دولية عليها، كما كان في السابق، وسيؤدي ذلك إلى انقسام المجتمع الدولي، الامر الذي سيضرّ جدا بمراقبة الوكالة الدولية للمشروع النووي الايراني.. وبالنسبة للقضية الاخيرة، تنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بخطورة كبيرة إلى مفاعيل وتداعيات هذا المسار، خاصة وأن ايران تملك كافة المقومات العلمية والتكنولوجية والمادية للبلوغ بالتطور النووي إلى أي درجة تريدها القيادة الاسلامية في طهران.. وهو سيؤدي إلى مشكلة كبيرة جدا من منظور أمن قومي إسرائيلي.

 

في ضوء ما تقدم، تنبع ضرورة الالتفاف على هذا المسار في هذه المرحلة بالذات، لكن المشكلة المقابلة أنه دون ذلك عقبات جدية متجذرة، وهو ما يفسر أيضًا، أن مشكلة التجاذب والتعارض والنقاش الداخلي، السائد في تل ابيب، يوجد ما يشبهه لدى الادارة الأميركية في واشنطن.. وهذا ما لفتت إليه صحيفة هآرتس بالقول أنه "إذا كان ترامب قد أعلن مرات عدة أنه ينوي الانسحاب من الاتفاق النووي، الا أن مسؤولي الهيئات السياسية والأمنية، وزير الحرب جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكمستر، وكذلك وزير الخارجية ريكس تيلرسون، يعربون عن تحفظاتهم، ويخشون من أن تصب الخطوة في مصلحة إيران".

 

وهكذا تجد "إسرائيل" نفسها في دائرة مغلقة، فلا هي قادرة على تغيير جذري لهذا الواقع النووي والاقليمي، ولا هي قادرة على التعايش معه بعدما صحت مخاوفها من خلال تلمس نتائجه ومفاعيله.. والامر نفسه ينسحب على الولايات المتحدة، التي بدورها مشغولة في هذه المرحلة بالازمة الكورية الشمالية، الأمر الذي يقيّد الادارة عن فتح أي مشكلة اضافية في أي بقعة من العالم، وتحديداً مع الجمهورية الاسلامية في ايران.

 

في ضوء ما تقدم، يصبح مفهوماً ما يدفع نتنياهو إلى الشكوى والصراخ والتهديد والاستعراض.. لكنه سرعان ما يعود للاصطدام بقيود القوة التي تؤكدها تقديرات وتوصيات مؤسساته العسكرية والاستخبارية.

2017-09-18