ارشيف من :آراء وتحليلات
أميركا بين شبح حرب أهلية باردة وتحديات إيرانية - كورية
تتلبّد الغيوم في أجواء ولاية الرئيس ترامب الذي لم يمضِ على دخوله البيت الأبيض أكثر من سبعة أشھر، في حين تسجل شعبيته انخفاضا قياسيا مقارنة بأسلافه. فلم يجد ترامب حتى الآن لغة جامعة يخاطب بھا جميع الأميركيين، كما لم يفلح مستشاروه والمتحدثون باسمه في مواجھة سيل الانتقادات .
يعترض غالبية من الأميركيين على أسلوب الرئيس الاميركي في التعامل مع حوادث عنف اليمين المتطرف
فشعبية ترامب تراجعت أكثر بعد انحيازه الى العنصريين واعتراض غالبية من الأميركيين على أسلوبه في التعامل مع حوادث عنف اليمين المتطرف. وأثارت تصريحات ترامب الجدل حول أعمال العنف العنصرية في شارلوتسفيل، والتي قال فيھا إن "العنصرية شر، وھؤلاء الذين يتسببون في العنف باسمھا مجرمون وعصابات، بما في ذلك كو كلوكس كلان والنازيون الجدد والمنادون بسمو العرق الأبيض وغيرھم من جماعات الكراھية التي تبغض كل ما نحبه كأميركيين".
وهذه الجماعات العنصرية قائمة تحت شعار تفوّق العرق الأبيض في الولايات المتحدة، وتنقسم إلى منظمات عدة أشھرھا:
-اليمين البديل، سبب التسمية ھو تمييزھم عن باقي الحركات اليمينية، وھي مجموعة من المعتقدات اليمينية المتشددة، التي تضم جماعات وأفرادا تتمحور معتقداتھم حول كون الھوية البيضاء تتعرض لھجوم من قوى الثقافات المتعددة عبر استخدام المحاباة السياسية والعدالة الاجتماعية بغرض تقويض البيض وحضارتھم.
-كو كلوكس كلان: من أقدم وأبرز الجماعات البيضاء المتطرفة، إذ تأسست في كانون الأول 1865، ھذه الجماعة بنت سمعتھا على تخويف السود في جنوبي البلاد بضربھم وقتلھم ھم والبيض المتعاونين معھم، إضافة إلى مھاجمة اليھود والمھاجرين والكاثوليك.
-حليقو الرؤوس شأنھم شأن "كو كلوكس كلان"، فإن منظمات كثيرة تنضوي تحت لواء "حليقي الرؤوس"، ويجمعھم عامة إيمانھم بتفوّق العرق الأبيض، وممارسة العنف للمحافظة على ھذا التفوّق.
-النازيون الجدد ھم امتداد للثقافة النازية التي نشأت في ألمانيا عام 1933، وإن كانت لا تمت لھا بروابط عضوية، عقيدة ھذه الجماعة النازية يمكن تلخيصھا في عبارات: "نحن نعتقد بأنه لا يمكن للمجتمع المتعدد الأعراق أن يكون صحيا، ولا يمكن أن تكون الحكومة جيدة ما لم تكن مسؤولة بالكامل عن عرق واحد، إن تدھور أميركا الحالي ينبع من فقدان التجانس والوعي العرقي، وما ترتب على ذلك من عزل مواطنينا (البيض)".
ويحمّل كثيرون من المنتقدين ترامب نفسه المسؤولية عن ارتفاع أصوات العنصريين متشجعين بخطابه القائم على كراھية الأقليات والمھاجرين، ولا سيما المسلمين. بالإضافة إلى ذلك ظهرت مؤخراً تكھنات وتنبؤات تكاد تجمع بأن ترامب لن يكمل ولايته الرئاسية، نظرا لافتقاره لأي خبرة في العمل الحكومي، ولأي مشروع سياسي جاد وواضح، على عكس أسلافه. وتعرض سلوكه لانتقادات من قبل الأصدقاء قبل الخصوم لأنه يدفع بالمنظومة الدستورية إلى الدمار، ولأنه لم يفھم كيف تعمل المنظومة الأميركية. ويتوقع مراقبون إما لن يكمل ولايته أو لن يعاد انتخابه في العام 2020، مع كل ھذا التخبط في البيت الأبيض وفي سياسته الداخلية والخارجية.
وظهرت تنبؤات بقرب رحيل ترامب عن منصبه من أقرب الناس إليه، وھو كاتب مذكراته الشخصية توني شوارتز الذي قال: "رئاسة ترامب انتھت فعليا، وسأستغرب جدا إذا بقي في الرئاسة حتى نھاية العام. الأرجح أنه سيستقيل بحلول الخريف إن لم يكن قبل ذلك".
فقد فشل ترامب في تنفيذ قرارات أساسية مثل: الإطاحة بقانون "أوباما كير" الصحي، وبأخذ قرار من الكونغرس لبناء جدارعازل مع المكسيك الجارة الجنوبية، بالإضافة إلى تراجعه عن "تمزيق" الاتفاق النووي مع إيران كما سبق ودعا، فضلا عن وقوف القضاء في وجھه عندما أمر بمنع دخول اللاجئين والمھاجرين المسلمين، ھذا فضلا عن التحقيق معه ومع مسؤولي إدارته في مزاعم تأثير موسكو على الانتخابات الرئاسية لمصلحته.
أما سياسة ترامب الخارجية فهي تتصف بالتخبط، لأنه يفتقر الى الوضوح والحسم ويعتريھا غموض وتردد وأحيانا تناقض كما حصل في مقاربة الأزمة القطرية، وفي التدخل في الحرب السورية، وفي إدارة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفي العلاقة مع روسيا، وفي المواجھة مع كوريا الشمالية التي فاجأت العالم مؤخراُ وصدمته بتجارب نووية وعروض قوة، اضطرت الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى إعادة ترتيب أولوياته الخارجية ليتقدم الملف الكوري الى موقع الصدارة على حساب ملف الشرق الأوسط وضمنا الملف السوري.
حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخدام نبرة حربية في خطابه مع كوريا الشمالية بتھديده إياھا، في جملة أصبحت شھيرة "بالغضب والنار". واعتبر في 23 آب أن تصريحه ھذا آتى ثماره إذ ان كيم جونغ - أون "بدأ يحترمنا"، لكن ما لبث الزعيم الكوري الشمالي أن أطلق بعيد أيام فقط من تھديد ترامب صاروخا باليستيا حلق فوق اليابان، أتبعه بالتجربة النووية السادسة لبلاده والأولى لھا على قنبلة ھيدروجينية يمكن استخدامھا رأسا حربيا للصاروخ الباليستي.
التحركات الكورية، ذات الطبيعة المتصاعدة في وتيرتھا ومستواھا، بدأت تفرض مقاربة أكثر جدية للملف الكوري الشمالي، انبرى إليھا الكثير من المحللين في مراكز الأبحاث الغربية، والذين باتوا يتحدثون عن مأزق جدي تواجھه الولايات المتحدة، لا يكمن في التجارب العسكرية التي تجريھا بيونغ يانغ، على اختلاف أشكالھا ومستوياتھا فحسب، بل في منھجية إدارة الصراع من قبل كيم جونغ أون، والتخبط في رد الفعل من قبل دونالد ترامب.
أحد المسؤولين الأميركيين: "القضية الرئيسية بالنسبة لنا كانت إقناع الرئيس بعدم التخلي عن الاتفاق النووي"
هذا التخبط يسحب أيضاً على الملف النووي الإيراني، فبعد مراجعة دامت خمسة شھور، وضعت إدارة ترامب اللمسات الأخيرة على استراتيجية للتعامل مع طهران ستُعلن قبل نھاية الشھر، وتتضمن التصدي لنشاطاتھا الإقليمية والموقف حيال الاتفاق النووي المُبرم معھا. ورجحت مصادر قريبة من الإدارة أن تشمل الاستراتيجية خطوات لاحتواء نفوذ طھران في سوريا والعراق، بعد استكمال العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش". والجزء الأكبر للتصدي لطھران سيستھدف نشاطاتھا في مضيق ھرمز، وفي وقف شحنات الأسلحة للحوثيين أو إلى سيناء أو قطاع غزة، ومساعدة البحرين في كبح النفوذ الإيراني.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين "القضية الرئيسية بالنسبة لنا كانت إقناع الرئيس بعدم التخلي عن الاتفاق النووي". وأغلب مستشاري ترامب للأمن القومي يؤيدون البقاء في الاتفاق، وھو أيضا موقف دول عربية وإقليمية في الشرق الأوسط، رغم وجود تحفظات على مدى امتثال إيران للاتفاق.
باختصار، الرئيس ترامب في وضع داخلي غير مستقر، فھو لم يركز أوضاع إدارته التي ما زالت تتخبط بالاستقالات والإقالات، ولم يجد طريقا لعلاقة منتجة ومستقرة مع الكونغرس ولم يتمكن من احتوائه وتطويعه، وما زاد "الطين بلة" وقوف الكونغرس ضده وفرض قيود عليه. وبدا الكونغرس مقيِّدا لسياسة الرئيس الخارجية. وھذا "الانشغال" الداخلي بمتاعب وتحديات بات عاملا سلبيا مؤثرا على سياسة ترامب ومصداقيته الدولية، أضيف إليه "استيقاظ" صراع عنصري مكبوت، ترامب طرف فيه، ومع اشتداد التوتر داخل المجتمع الأميركي غير المتجانس، ربما ستعيش بلاد الحريات والديمقراطية شبح "حرب أھلية باردة".