ارشيف من :نقاط على الحروف
المصالحة الفلسطينية غاية ام وسيلة؟
كلمة المصالحة الفلسطينية يراها المدقق كلمة معيبة ولا سيما ان كانت في ظرف احتلال استيطاني غاشم يقود معركة صفرية ويخوض صراعا من نوعية صراع الوجود لا الحدود.
الا انها اصبحت كلمة دارجة بعد وضع مأساوي مفاده انقسام حقيقي وصل الى الاقتتال والقطيعة، واصبحت كلمة المصالحة هدفا وربما حلما في بعض الاحيان.
الا ان ما ينبغي الالتفات اليه والتأكيد عليه ان المصالحة وسيلة وليست غاية، والغاية الرئيسية هي التحرير.
وفي بعض الاحيان قد يكون الخلاف رحمة اذا ما تعلق بالثوابت، وقد تكون المصالحة والوحدة نقمة اذا ما تعلقت بالتفريط.
هذه مقدمات منطقية فقط قبل تناول الملف الذي اعتلى عناوين المشهد الفلسطيني في الايام الاخيرة، والذي مفاده ان هناك مصالحة على الابواب بعد حل حركة حماس للجنة الادارية التي اوقفت التفاهمات وبعد دعوة الحركة للسلطة الفلسطينية لممارسة مهامها وتسلم حكومة التوافق الوطني لادارة غزة تمهيدا لتشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء الانتخابات.
وقبل تناول هذه الخطوة ينبغي القاء الضوء على حدث اخر تزامن معها ولم تتناوله الانباء ولا وسائل الاعلام بقدر اهميته وخطورته وهو افتتاح اول قاعدة امريكية في الاراضي المحتلة!
فقد افتتح الجيش الامريكى اول قاعدة عسكرية امريكية على الاراضى (الاسرائيلية)، وسيسكن القاعدة التي تقع داخل ارض مدرسة الدفاع الجوي في مشبى ساده التابعة للجيش الاسرائيلى في المنطقة الجنوبية عشرات الجنود الامريكيين الذين يقومون بتشغيل الرادار الكبير الذي تم نشره منذ عشر سنوات.
وسيتم نشر العلم الأمريكي عند نقطة دخول القاعدة، وسيستخدم الجنود الذين يعملون في الداخل مرافق قاعدة الجيش الإسرائيلي التي تشمل الأصول الأمريكية.
هذه الخطوة ووجود الجنود الامريكيين في الاراضي المحتلة هو نقلة استراتيجية تتطلب تحليلات منفصلة عن سياق هذا المقال ولكن وجب التنويه.
وبالعودة للمصالحة، فإن المصالحة -والتي هي وسيلة- محل ترحيب الجميع اذا ما كانت على ارضية المقاومة واذا ما كانت استراتيجيتها هي استراتيجية التحرير – وهو الغاية- حتى ولو على المدى البعيد.
والمصالحة بغرض تشكيل حكومة تقود مفاوضات التفريط هي محل شجب انصار التحرير ومحل رفض المؤمنين بحتمية تحرير كامل التراب الفلسطيني.
وهذه مبادئ وليست سياسات ولا علاقة لها بالسياسة من قريب او بعيد ولكنها المبادئ الحاكمة لاي تكتيكات او سياسات.
والناظر لسياسات العدو الصهيوني وتكتيكاته يراها تسير بدقة في اتجاه تصفية القضية وتكريس الاحتلال كحق مكتسب ووصلت وقاحته للتعالي على المفاوضات ووصلت المفارقات المأساوية الى ان المفرطين لا يستطيعون انجاز تفريطهم لانه غير كاف لتلبية طموحات العدو!
ومن هنا فإن الانقسام بين الفصائل على ارضية مبدئية ووجود بعض الفصائل المتمسكة بتحرير كامل التراب والمتمسكة بالمقاومة هو خير من مصالحة على ارضية الاتفاق على التفريط في الحقوق وهنا الكلام ليس مبدئيا فقط ولكنه سياسي ايضا فهو تنويع للادوار وتعطيل لاي اهدار للحقوق واي تفريط تاريخي جديد يصعب من مهمة الاجيال التالية ويكرس لاوضاع صهيونية جديدة على الارض يستحيل تغييرها لاحقا.
المتأمل لملابسات المحادثات بين الحركتين في القاهرة وما سبقها من زيارات واتصالات مع ما يحيط بها من متغيرات اقليمية كالازمة الخليجية والعلاقات المتغيرة والصراعات، يلمح ان هناك ابعادا اخرى للمصالحة واشخاصا جددا ينتظر ان يتسلموا ادوارا رئيسية ويتصدروا المشهد.
ويصعب على العقل تصور غياب "اسرائيل" عن المشهد واتمام اي تفاهمات بشكل بعيد عن علمها او بشكل يشكل تحديا لها ولا سيما ان الاطراف الراعية تسير في مسارات تقاربية دافئة!
وغياب اي رد فعل اسرائيلي او تعقيب ينم عن عدم خرق اي سقف صهيوني، وهو ما يؤكد الظلال الاسرائيلية بالمشهد ويكتسب ذلك وجاهة ايضا اذا ما اضيف اليه اوضاع غزة البائسة والتي على وشك الانفجار ولن تكون "اسرائيل" بعيدة عن شظايا هذا الانفجار.
والسؤال الصريح، هل الهدف هو مسكنات لغزة كي لا تنفجر اوضاعها باتجاه مصر والاراضي المحتلة صهيونيا فقط، والدخول في محادثات معلوم سلفا انها ستتعثر وتتكسر على حاجز التفاصيل؟
ام ان الهدف هو تشكيل حكومة وحدة وطنية باشخاص جدد وتكون مهمتها التفاوض على ارضية جديدة عنوانها الواقعية السياسية ومضمونها تصفية القضية؟
نحن ممن يميلون للاجابة الاولى والتي مفادها تسكين الاوضاع واكتساب الاطراف الراعية وجاهة اقليمية في اطار التنافسات والصراعات والضغائن وتمرير وتلميع شخصيات جديدة واحياء وجود شخصيات قديمة تمهيدا لمرحلة لاحقة.
سيدفع الجميع اهمال فوهة البندقية كطريق وحيد للتحرير ولو كانت على ارضية خلافية وسيدفع الجميع ثمن مصالحة على ارضية التنازلات.
مع المصالحة والوحدة كوسيلة لغاية التحرير لا كأداة من ادوات التفريط.
(*) كاتب عربي من مصر