ارشيف من :آراء وتحليلات

التخطيط المصري في زمن ’أوبر’

التخطيط المصري في زمن ’أوبر’

(صحافي مصري)

في زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الصين وفيتنام، تجسدت أمام ناظريه نتائج التحدي للولايات المتحدة، اقتصاد صناعي متطور مرن في الصين، قارب على التفوق الكامل على الاقتصاد الأمريكي، باستخدام آليات التصنيع، وامتلاك قاعدة تكنولوجية خاصة.

التخطيط المصري في زمن ’أوبر’
فيتنام الموحدة استطاعت خلق مساحة لها في عالم اليوم


في الصين دار الزمن دورته الكاملة، وعادت لتصدر العالم مرة أخرى. وفق تقرير مؤشرات التنمية للبنك الدولي الصادر في 2016، احتلت الصين صدارة اقتصاديات العالم بـ 19.5 تريليون دولار، وتخطى الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتعادل القوى الشرائية نظيره الأمريكي، وهو مؤشر يراه أغلب الاقتصاديين أكثر عدالة من حساب الناتج المحلي الإجمالي، بينما جاءت الولايات المتحدة في المركز الثاني بـ 17.9 تريليون دولار فقط، لتتراجع لأول مرة منذ اعتلائها قمة العالم.
اكتسحت الصين خلال صعودها المذهل العديد من الثوابت المعروفة لتجارب التنمية العالمية. لا يزال اليوان الصيني يخضع لضبط حكومي، والاقتصاد بكامله يسير على النمط الموجه لا الحر، وتقارير المؤسسات المالية الدولية لا يجري الالتفات إليها، والاستثمارات الجديدة غالبها حكومي، والطلب الداخلي الضخم يبقى طوق نجاة في حال أزمات الكساد العالمي.
وفي فيتنام، تفوقت الإرادة على السلاح خلال السبعينيات، وقهرت رؤية الاستقلال الاقتصادي كل العوائق أمام شعب واعٍ وقيادة وطنية، ورغم عدم تعافيها الكامل حتى اليوم من القصف الأمريكي الانتقامي، وصدمة انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن فيتنام الموحدة استطاعت خلق مساحة لها في عالم اليوم ومستقبل الغد، بالصناعة وحدها.
بالرؤية والمثابرة والتعليم، احتلت فيتنام مكانتها كواحدة من أسرع الاقتصاديات نموًا في العالم، وحققت متوسط نمو 6.4% خلال الألفية الجديدة، بحسب البنك الدولي، كما تعد من أعلى دول العالم نموًا لنصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، منذ 1990، ومثل الصين، فالاقتصاد الفيتنامي مخطط، أي أن الحكومة تضع الخطط طويلة الأجل.
الفارق في التجربة الفيتنامية هو جودة منتجاتها التي تحتل رويدًا مكانها في أسواق العالم، حيث تعد أفضل جودة خلف كوريا الجنوبية، والخلاف الوحيد أن كوريا الجنوبية بدأت تجربتها الخاصة منذ منتصف الخمسينيات، كما يعتمد اقتصادها على التنوع، حيث تعد مركزًا صناعيًا للعديد من الشركات الكبرى، وإحدى أكبر الدول صاحبة النمو في قاطع التكنولوجيا، ومصدرًا مهمًا للأسماك إلى أسواق العالم.
صنعت الدول التي زارها السيسي تجارب تنموية قائمة على التعليم والتخطيط وقيام الدولة بدور رائد في الاتجاه للتصنيع، ومن ثم، السماح بدخول الاستثمارات الأجنبية، بعد استكمال بنية تحتية تستفيد من التكنولوجيا بالتعلم والشراكة، لتستفيد الأوطان من رأس المال الأجنبي وليس العكس.
إذًا ما الذي ناقشه ممثلو مصر في البلدين الآسيويين الكبيرين؟ ناقش الرئيس في الصين التعاون ضد الإرهاب، ومشروعات نقل. لم يلق حديث الإرهاب صدى في الصحافة الصينية حتى، لأن الصين تعتبره ذريعة أمريكية في المقام الأول، بينما شهد قطاع النقل توقيع عدة مذكرات تعاون، لا تتمايز كثيرًا عن مذكرات بولندا لنفس القطاع، ولا يبدو أنها ستنعكس على القطاع الذي يحتاج لثورة.
وعلى هامش القمة كان قلب مصر يتحرك بكل قوة تجاه الدب الروسي، رغبة في استعادة السياحة بين البلدين، بعد أن أصاب الإيرادات المصرية من العملة الصعبة انهيار كامل، عقب تراجع السياح الروس من ملايين في العام إلى ما يقارب الصفر حاليًا.
الحنين إلى السياحة الروسية دمغ الفكر المسيطر على النظام المصري بالتبعية، فلا يمكن أن يقوم اقتصاد بلد كبير مثل مصر بعائدات متغيرة، تحكمها إرادة الخارج، فضلًا عن تأثرها بأقل –وأي- حادث ولو عرضي.
لم تختلف مآلات زيارة فيتنام كثيرًا، فالسعي الرسمي كان يتوجه إلى منح قبلة الحياة لمشروع قناة السويس، الريعي أيضًا!! حيث تعاني القناة من تراجع مستمر في عوائد المرور، وتهديدات من قِبل القناة الشمالية التي تعتبرها روسيا مشروعها الكبير، وكأن كل مشاهد التجربتين التنمويتين كانت بعيدة عن السمع والبصر الرسمي المصري.
رهنت مصر الرسمية إرادتها منذ العام 1974 لرؤية وفكر وتوجهات البنك والصندوق الدوليين، الاعتماد على مشروعات خدمية سريعة العائد، ولا يمكن أن تسهم تحت أي ظرف في بناء مستقبل.
الخطر الأكبر أن توجهات الحكومة تنعكس هي الأخرى على الشارع والمواطن، فنجاح شركات النقل –ما يسمى الذكي- مثل "أوبر" و"كريم" لا يمكن فهمه بمعزل عن تفكير الدولة، حيث يسعى المصري العادي إلى ربح سريع، دون النظر لتحوله من موظف أو مهني إلى سائق، يمنح سيارته لشركة مقابل راتب من الشركة.
الدول حين تنجح، تنجح ككتلة واحدة، وكذلك حين تسقط.

2017-09-20