ارشيف من :نقاط على الحروف
ايزنكوت يعترف بالردع الفعال لحزب الله
ليس أمراً عرضياً أن يقرّ رئيس أركان جيش العدو غادي ايزنكوت، بأن ما يمنع “إسرائيل” من توسيع دائرة "المعركة بين الحروب" إلى لبنان، هي معادلة الردع القائمة مع حزب الله، ومع أنه حاول تجميل هذا المفهوم عبر الحديث عن "مواجهة التهديد الاستراتيجي بما يحفظ الهدوء على جانبي الحدود"، لكنه أقرّ بذلك، بأن رد حزب الله حاضر بقوة على طاولة القرار السياسي والعسكري لدى دراسة الخيارات العملانية.
كشف ايزنكوت بهذا الموقف -الذي أدلى به خلال مقابلة مع موقع يديعوت احرونوت، بمناسبة رأس السنة العبرية- عن حقيقة موازية أيضا، عندما لفت ضمناً إلى أن متطلبات مواجهة التهديدات الاستراتيجية تتطلب ايضا –بالاساس- استهداف لبنان، وهو ما برز في طيات كلامه عن "التحدي الذي نواجهه هو من جهة منع تهديد استراتيجي خطير.. ومن جهة ثانية المحافظة على الواقع الامني المستمر منذ 11 عاما من أجل اراحة سكان الطرفين".
لكن اذا ما أخذنا المعيار الذي حدده ايزنكوت للدلالة على قوة الردع التي تمتلكها “إسرائيل”، (مع أن فيه الكثير من التفاصيل) بالحديث عن أن “إسرائيل” لم تتلق ردا واحدا على الهجمات التي تشنها في الساحة السورية.. نستطيع في المقابل القول أن عدم جرأة القيادة الإسرائيلية على توجيه ضربة عسكرية واحدة في لبنان، رغم اقرار “إسرائيل” نفسها بتعاظم قدرات حزب الله العسكرية والصاروخية، وبضرورة الحؤول دون استمرار هذا المسار التصاعدي، واجتثاثه، يعود إلى ادراكهم أن حزب الله سيرد بما يتلاءم..
رئيس أركان جيش العدو غادي ايزنكوت
إلى ذلك، ينبغي أن يبقى حاضرا في وعينا أن هذا الاقرار أتى على لسان رئيس أركان جيش العدو.. وبعد مناورة فيلقية، هي الاولى منذ 19 عاما، وهو ما ينطوي على الكثير من الدلالات، من ضمنها القراءة التي تتبناها القيادة الإسرائيلية على أعلى مستوياتها السياسية والعسكرية، بأن حزب الله يملك القدرة والارادة التامة للرد بما يتناسب مع أي اعتداء في هذا المجال، وأن كل رسائل التهويل المباشر وغير المباشر لم تنفع للتأثير في خيارات حزب الله وقراراته في الردع والدفاع.
ومع أن العدو حاول التلويح بسياسة الدمار الشامل في حال تدحرجت أي مواجهة بين الطرفين، على أمل أن يؤثر ذلك في ارادة قرار الرد والدفاع لدى قيادة حزب الله، إلا أن نتائج الجولات التي شهدتها محطات الصراع، بين الطرفين، خلصت إلى حقيقة أن حزب الله انتصر في "معركة الارادات" الأمر الذي أدى إلى تحصين الواقع الامني في لبنان، وإلى انتاج مظلة تحمي الاستقرار، وتهيئ الارضية التي يمكن للبنانيين أن يؤسسوا عليها.
أهمية هذا الاقرار تكمن ايضا، في توقيته، لجهة أنه أتى بعد سنوات من المعارك الدامية التي خاضها حزب الله في مواجهة الجماعات المسلحة والارهابية.. ثم يأتي ايزنكوت بعد هذه السنوات ليبرر أسباب عدم قدرة “إسرائيل” على استغلال الواقع السوري لتوسيع الاعتداءات باتجاه لبنان، بالقول أن "الوضع في لبنان أكثر تعقيدا".
لكن ما ينبغي ادراكه ايضا، أن هذا المفهوم لم يتبلور في وعي صناع القرار في "تل ابيب"، إلا بعد فشل خيارات سارت فيها “إسرائيل” على حافة الهاوية، وفي المقابل استطاع حزب الله أن يسقط رهاناتهم، ويحقق النتائج المؤملة من دون أن يضطر -حتى الآن- إلى خوض مواجهة عسكرية واسعة مع جيش العدو.
وهكذا يتضح جليا، أن التكيف الإسرائيلي مع المعادلة التي فرضها حزب الله لحماية لبنان، لم تتبلور بفعل تقديرات نظرية، أو حسابات كمية للقدرات، وانما استنادا إلى قراءة شاملة للعديد من العناصر، من ضمنها -وبشكل أساسي- الحضور القوي للرسائل التي وجهها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في العديد من المحطات، على طاولة القرار الإسرائيلي، في حسابات وتقديرات الكلفة والجدوى لأي خيار عملاني هجومي، في مقابل محدودية الانجازات. وتؤكد هذه الحقائق على أن منسوب الردع الفعال الذي يتمتع به حزب الله تمت صناعته في كل مَعلم من معالمه، ولم تسلّم به القيادتان السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلا بعد فشل الخيارات البديلة والرهانات التي امتدت على سنوات طويلة من الصراع المباشر وغير المباشر.