ارشيف من :آراء وتحليلات

قراءة مبكرة لمرحلة ما بعد الاستفتاء الكردي

قراءة مبكرة لمرحلة ما بعد الاستفتاء الكردي

تتحدث اوساط اقتصادية-مالية متخصصة، أن خسائر اقليم كردستان بلغت خلال اقل من اربع وعشرين ساعة اكثر من عشرين مليون دولار (خمسة وعشرين مليار دينار عراقي)، بسبب الاجراءات التي اتخذتها كل من ايران وتركيا والحكومة الاتحادية بحق الاقليم، ارتباطا باصرار رئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني على اجراء الاستفتاء في موعده، وعدم الاستجابة للمطالب العراقية والاقليمية والدولية بتأجيله الى وقت اخر، ولظروف افضل.

قراءة مبكرة لمرحلة ما بعد الاستفتاء الكردي
حتى الان لم يحظ الاستفتاء الكردي الا بتأييد ودعم اسرائيل


من غير الواضح فيما اذا كان الرقم المشار اليه صحيحا ام لا، لكنه ايا كان الامر، فإنه يؤشر الى حقيقة مهمة وخطيرة ومرعبة، تتمثل في ان الخطوة التي اقدم عليها البارزاني ستفتح ابواب المشاكل والازمات على مصراعيها امام حكومة وشعب كردستان، حتى وان تعاطت الحكومة العراقية، والقوى الاقليمية، والمجتمع الدولي مع الاستفتاء كأمر واقع، كما يراهن على ذلك البارزاني، وكما اشار عدة مرات في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل ست عشرة ساعة من موعد فتح صناديق الاستفتاء في محافظات الاقليم والمناطق المتنازع عليها.
ومن المعروف ان حكومة اقليم كردستان عجزت عن تأمين كامل رواتب موظفي الاقليم، الذين يتجاوز عددهم المليون شخص، لذلك لجأت قبل اكثر من عام ونصف الى دفع ربع او نصف الراتب، ووضع الاستحقاقات المالية غير المدفوعة في خانة الادخار الاجباري، وتقدر جهات غير رسمية حجم مديونية حكومة الاقليم لموظفيها بأكثر من ملياري دولار، في ذات الوقت تجاوزت مديونية الاقليم لشركات النفط والمستثمرين وبعض المصارف الاجنبية الثلاثين مليار دولار.
اضف الى ذلك فان الازمة المالية الخانقة خلال الاعوام الثلاثة الماضية، ومعها التحديات الامنية، تسببت بتراجع كبير في قطاع السياحة في الاقليم، مما اثر على عمل شرائح عديدة، من  بينها اصحاب الفنادق واصحاب المطاعم، وشركات النقل، وسائقو الحافلات الكبيرة والسيارات الصغيرة، فضلا عن اصحاب المتاجر والاسواق.
كل ذلك، والمنافذ الحدودية البرية والجوية كانت مفتوحة مع دول الجوار ومع بغداد، ولم يكن هناك ما يعرقل النشاط التجاري والسياحي، والمساعدات والمنح والقروض ترد الى الاقليم من مصادر وجهات مختلفة، فكيف سيكون الحال بعد اسابيع او شهور اذا استمرت اجراءات الحصار والمقاطعة والضغط والعزل بنفس الوتيرة، وربما اتسعت وتزايدت؟.
اذا كانت الدول التي تمتلك بدائل، ولديها خيارات متعددة يمكن توظيفها والاستفادة منها حينما تتعرض للحصار، تواجه مشاكل وازمات وارتباكات جمّه، كما هو الحال مع دولة قطر او ايران، فكيف الحال بأقليم كردستان الذي عجزت حكومته عن معالجة المستوى الادنى من المشاكل والازمات الاقتصادية لديها؟.
وبغياب البدائل، فإن المواطن الكردي -سواء كان موظفا ام تاجرا ام كاسبا-الذي ذهب متحمسا الى صناديق الاستفتاء صباح الخامس والعشرين من ايلول-سبتمبر 2017، ليصوت بنعم للاستقلال، وهو يرى في البارزاني زعيما تاريخيا حقق ما لم يحققه غيره، سيصطدم بعد برهة قصيرة من الزمن بالنتائج والمعطيات السلبية لتصويته، وبالتبعات الكارثية لقرارات زعيمه التاريخي!.
وربما لن يحصل حتى على ربع او نصف الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه، ولا يجد منفذا للسفر خارج الاقليم، ولا يعثر على افق للتفاؤل على الارض الا شعارات رنانة ووعود زائفة.

قراءة مبكرة لمرحلة ما بعد الاستفتاء الكردي
موقف موحد ورافض من العراق وتركيا وايران للانفصال الكردي


وهناك جانب اخر في الموضوع يتمثل في ان التوافق السياسي الكردي على اجراء الاستفتاء لم يكن متوفرا، رغم ان كل الاكراد تقريبا يحلمون ويتطلعون الى انشاء دولة كردية مستقلة، لا تقتصر على اكراد العراق فقط، وانما تضم اكراد ايران وتركيا وسوريا.
ولعل مجمل المواقف والتصريحات التي ظهرت خلال الشهور القلائل الماضية، تؤشر بوضوح كبير الى غياب مثل ذلك التوافق، بل اكثر من ذلك كانت -ومازالت- هناك خلافات  وتقاطعات حادة جدا، من غير المستبعد ان تتحول في اية لحظة الى صدام دموي مسلح، مثلما حصل في اوقات سابقة، ولا شك ان فرص واحتمالات اندلاع الصدام والصراع المسلح بين الفرقاء الاكراد، تزداد في حال راح البعض منهم يسير سريعا ومنفردا في طريق الانفصال.
وينبغي ان تكون تجربة جنوب السودان حاضرة وماثلة امام اعين الاكراد، وهم الذين كانوا اول المرحبين بانفصاله واستقلاله عن دولة السودان، في التاسع من تموز-يوليو من عام 2011، بتصريحات سياسية حماسية، ومانشيتات وعناوين عريضة في وسائل الاعلام الكردية، ليندلع الاقتتال الداخلي بعد اقل من عام بين شركاء دولة جنوب السودان الجديدة، وصانعي استقلالها.
ويشترك اقليم كردستان مع جنوب السودان في الدعم والتأييد الاسرائيلي الكبير، في ظل الرفض الاقليمي والدولي الواسع، حتى ليبدو ان تل ابيب هي التي تقف وراء مثل تلك التوجهات الانفصالية التقسيمية.
فحتى الان لم يحظ الاستفتاء الكردي الا بتأييد ودعم اسرائيل، عبر لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، الذي اكد انه يدعم تطلعات الاكراد بالاستقلال السياسي، ناهيك عن تصريحات واضحة جدا لساسة وقادة عسكريين صهاينة كبار بدعم توجهات الانفصال الكردية.   
وما يجدر بالاكراد وضعه في الحسبان بعد اجرائهم الاستفتاء وذهابهم بعيدا نحو الانفصال، هو الاجراءات العقابية التي سوف تتخذها الحكومة الاتحادية ضدهم، باعتبارهم خرقوا الدستور وقفزوا على مبدأ الشراكة والتوافق.
فهناك دعاوى قضائية رفعت ضد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، من المرجح ان تطيح به. وهناك دعوات ومطالب لطرد المسؤولين الاكراد في بغداد، الذين صوتوا لصالح الاستفتاء، ولا شك ان عددهم كبير، ويتوزعون على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمؤسسات الامنية والعسكرية.
وهناك توجهات لتجميد الحسابات المصرفية الخارجية للمسؤولين الاكراد الداعمين للاستفتاء، وهناك المقاطعة ووقف مجمل اشكال التعامل مع الاقليم لتضييق الخناق عليه وتكريس عزلته، ولعلنا سنشهد خلال الايام القلائل القادمة قرارات من مجلس النواب العراقي ومجلس الوزراء في بغداد بهذا الخصوص.
لا شك ان كل ذلك لا يخلو من المتاعب والمنغصات بالنسبة لبغداد، ولكنها بأي حال من الاحوال لا تقارن مع حجم المتاعب والمنغصات التي ستواجهها اربيل.

2017-09-26