ارشيف من :ترجمات ودراسات

عملية ’هار أدار’ تتحدى تصور الجيش ’الإسرائيلي’

عملية ’هار أدار’ تتحدى تصور الجيش ’الإسرائيلي’

صحيفة  "هآرتس" - عاموس هرئيل

الهجوم الصعب الذي وقع أمس وأسفر عن مصرع ثلاثة من رجال الامن "الإسرائيليين" على بوابة "هار ادار"، أعاد الى النقاش الخلاف الذي شغل القيادتين السياسية والامنية في "إسرائيل" على مدى العامين الماضيين، ويتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها للحد من "الهجمات"، وما اذا كان يمكن لها أن تشمل العقاب الجماعي ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. وحتى لو قررت الحكومة أخيراً عدم الانحراف عن سياستها الحالية، فإنّ ذلك سيلزم إعادة النظر في إجراءات الفحص الأمني التي يديرها جهاز الشاباك، والتي سمحت لمنفذ العملية بالوصول إلى بوابة مستوطنة "إسرائيلية" مجاورة للخط الأخضر.

على مدى العامين الماضيين وقع أكثر من 400 هجوم ومحاولات طعن ودهس وإطلاق للنار، تم تنفيذ 50 منها في القدس و15 داخل الخط الأخضر. ومن بين مرتكبي هذه العمليات، لم يكن هناك سوى واحد يحمل تصريح عمل في "إسرائيل".

لقد تم الادعاء بأنّ خطوات العقاب الجماعي، تزيد فقط من دوافع "الهجمات". ولا فائدة من إلغاء تصاريح العمل لأنّ الفلسطيني الذي يحمل تصريحا يفضل التركيز على إعالة أسرته. ومن شأن استمرار العمل في "إسرائيل" والمستوطنات في الضفة الغربية، بل وتوسيع نطاقها، أن يساعد على الفصل بين أغلبية السكان الفلسطينيين ودائرة منفذي العمليات، الصغيرة نسبياً.

وقاد هذا النهج رئيس الأركان غادي ايزنكوت، ومنسق العمليات في المناطق، يواف موردخاي، غالبا بدعم جزئي معين من الشاباك والشرطة. وقد اعتمد وزير "الأمن" السابق موشيه يعلون هذه السياسة بالكامل. لكن خليفته، أفيغدور ليبرمان، شكّك بها خلال الأشهر الأولى له في منصبه، لكنه تقبل في النهاية موقف الجيش، كما حدث بعد الهجوم الذي وقع في مركز "شارونا" في تل أبيب، والذي قتل فيه أربعة مدنيين في حزيران الماضي، ويجري استخدام العقاب الجماعي لفترة محدودة ضد البلدة. لكنّ الحواجز والمضايقة كانت تتوقف بمجرد أن يفقد الجمهور "الإسرائيلي" الاهتمام بما يحدث.

منفّذ الهجوم في "هار أدار" يتحدى هذا المفهوم. لقد كان هذا الشخص، محمود الجمل، يحمل تصريح عمل في المستوطنات. وعقب الهجوم مباشرة، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه ملتزم بثلاثة أشياء: هدم بيت "المخرب"، محاصرة قريته، وسحب تصاريح العمل من أسرته الواسعة. هذا يبدو وكأنه شبه دليل للعقاب الجماعي وفقاً للقانون الدولي. وهرع للانضمام الى نتنياهو وزراء ونواب كنيست من الائتلاف، والذين يتنافسون كالمعتاد على نشر التهديد بتدابير قاسية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

في هذه الأثناء، لا يغير "الجيش الإسرائيلي" توصيته المهنية: في الوقت الحالي، يعتبر الهجوم حادثا موضعيا، ولا يوجد سبب لمعاقبة مئات الآلاف من الفلسطينيين لفترة طويلة - وأي تحرك من هذا القبيل سيزيد فقط من خطر التدهور. ويستدل من تجربة الماضي، أنه عندما يصر الجيش على موقفه بشكل كاف، يميل السياسيون إلى التراجع. ولكن السياسة طويلة الأجل تعتمد أساسا على حجم الإرهاب، وإذا لم تتطور موجة من الهجمات المستوحاة من حادثة "هار أدار"، فإن المطالب بالعقوبة واسعة النطاق سوف تتبدد وسوف يتلاشى الخلاف.

عملية ’هار أدار’ تتحدى تصور الجيش ’الإسرائيلي’

يتعين على الشاباك والمخابرات العسكرية توضيح سبب عدم ظهور اسم منفذ العملية كشخص لديه محفزات القيام بهجوم، في ضوء مراسلاته مع زوجته التي سبقت الحادث. هذا يبدو كإهدار فرصة للمرة الثانية خلال قرابة شهرين. المهاجم الذي قتل ثلاثة من أبناء عائلة واحدة في مستوطنة "حلميش"، نشر "وصية على الفيسبوك"، لم يتم اكتشافها في الوقت المناسب. وفي كل شهر يجري اعتقال عشرات الاشخاص في المناطق على خلفية نشاط على الشبكات الاجتماعية يشهد على نوايا مزعومة لتنفيذ هجمات. هذه الطريقة بعيدة عن كونها مُحكمة، كما يتبين من الهجومين.

نتيجة الهجوم على "هار أدار" ليست مأساوية فحسب، بل لا تطاق، أيضا، من الزاوية العملية. يمكن وصف حقيقة نجاح شخص واحد، يتسلح بمسدس فقط وبدون خبرة سابقة، بقتل ثلاثة من الحراس المسلحين وإصابة رابع، كتحقيق لسيناريو ذي احتمالات إحصائية منخفضة. ومن المرجح أن يشير أيضا إلى الإخفاقات في جاهزية الحراسة هناك. ويمكن لهذه الإخفاقات أن ترتبط بالازدحام الزائد عن المطلوب لأفراد الأمن، والانتشار غير الصحيح (من المفترض أن يغطي الحراس على بعضهم البعض من مسافة معينة، من خلال تغطية "المخاطر" من اتجاهات مختلفة)، أو ربما يرتبط الأمر بمشكلة في حالة التأهب أو رد لم يكن سريعاً بما يكفي.

القوة التي تعرضت للهجوم لم تكن عضوية (موحدة)، بل شملت شرطياً من حرس الحدود، واثنين من حراس الأمن من شركة مدنية، ومنسق الأمن في المستوطنة، الذي أصيب بجروح خطيرة جراء إطلاق النار. هذا الدمج أيضا، من تنظيمات مختلفة، يكون في بعض الاحيان فاتحة للمشاكل. كل هذه الجوانب تلزم الآن إجراء تحقيق عميق من قبل قوات الأمن.

هناك مسألة أخرى تتعلق بآثار الحادث على القدس والضفة الغربية. في بعض الأحيان، يولد النجاح التنفيذي للإرهاب (الذي يقاس بجانبين مترابطين - القتل واهتمام وسائط الإعلام) موجة من المقلدين. الظروف هذه المرة مثيرة للقلق بسبب فترة أعياد تشرين التي تحمل معها توتراً مستمرا في جبل الهيكل (الحرم القدسي)، والتخوف الفلسطيني من أن حكومة ترامب ليست جادة في عملية "السلام".

في صيف عام 2015، عرضت المخابرات العسكرية على القيادة السياسية تحذيراً استراتيجياً بشأن اشتعال محتمل في المناطق، ولكن المواجهة لم تمتد إلى أبعاد كبيرة، خاصة بسبب الرد "الإسرائيلي" المتوازن نسبيا - من منع العقاب الجماعي وحتى الأداء الفعال للجنود والشرطة على الساحة. تحذير شعبة الاستخبارات لم يتغير في هذا الخريف أيضا. إنّ حقيقة تقليص التنسيق الأمني بين "إسرائيل" وقوات الأمن الفلسطينية إلى حد كبير منذ أزمة تموز الأخيرة في الحرم القدسي، لا تسهم في التفاؤل.

2017-09-27