ارشيف من :نقاط على الحروف
الهزيمة الكاملة
وزارة الري تتبنى منذ عام تقريبا خطة لحجب إعلان منسوب بحيرة ناصر يوميا، كما كان متبعاً منذ تشغيل السد العالي، في السبعينيات، وهو التصرف الذي يدعم تلقائيًا تصديق الأنباء الرائجة أن منسوب البحيرة وصل للسعة الميتة، وهي السعة التي لا تكفي لتشغيل توربينات السد العالي.
نهر النيل!
المنطق والعقل والتجربة مع النظام الحاكم تكاد تتجسد وتقسم أن النيل قد تم بيعه، كما بيعت تيران وصنافير، والبيع هنا مجازيًا، لم يقبض شخص في النظام مالًا، لن يثبت ذلك أحد، لكنه بيع الذليل المتنازل عن حقوقه وأرضه.
لا ريب أن كامب ديفيد قيدت مصر منذ توقيعها، ولا جدال في أن السيسي هو امتداد لعقد تضم حباته السادات ومبارك ومجلسه العسكري ومرسي، لكن الفارق أن السيسي يستمتع بالخسارة والتفريط.
النيل الذي يغمر الوادي بفضله منذ ألوف الأعوام مهدد بمصير ليس في الحسبان.. الجفاف، و93 مليون إنسان مهددون بالفناء، ومصر التي قبلت الخروج من طاولة المستقبل بتنازل حاكمها عن مفتاح البحر الأحمر، تنتظر ساكنة الخروج من الخريطة كلها.
لم تخض مصر طوال تاريخها صراعًا وظهرها مكشوف على الفناء، لكن الحلبة جاهزة، والبلد بأسوأ حال ممكن، انقسام لم يحدث من قبل لدولة تواجه تحدي وجود، والشباب –وقود المعركة الآنية- فاقد الثقة في القيادة والمؤسسات، ومشهد قيادات الجيش داخل مجلس النواب وهم يصولون ويجولون في معركة التخلي عن الأرض المصرية لن يفارق المخيلة الشعبية قريبًا، ولن ينسى بسهولة.
والضلع الثاني من منظومة الحكم المصري ساقط في نظر الأغلبية الشعبية، فالسير وراء توصيات، أو أوامر، صندوق النقد الدولي من واشنطن، دمر كل معنى للثقة في الحكومة، في ظل حرص الحكومة ذاتها على الانسحاق أمام مؤسسات التمويل الدولية.
في وقت تحتاج الدولة المصرية إلى تكاتف كل يد في حربها، يتفنن النظام الحاكم في شل وتقطيع أي رغبة للمساعدة، من التخوين إلى اتهامات الأخونة الجاهزة، ومن السجن للمعارضين إلى الفضائح المفبركة، السياق يليق بطائفة كاملة من العملاء دفعتهم الأقدار إلى موقع صدارة المشهد المصري.
كامب ديفيد
ليس الأمر مستغربًا أو ضربًا من خيالات بائسة، فما فعلته كامب ديفيد بالدولة العربية الأكبر والأقدر على المواجهة مضى بسلاسة عبر شراء "القيم والتوجهات"، تجلى أكثر ما تجلى في جنازة السادات، التي لم يحضرها مصري واحد شريف، بينما كان رجال الدولة من الصف الأول والثاني والثالث يمشون متأبطين أذرع رؤساء وزراء الكيان الصهيوني ومسؤوليه.
وفيما بعد مثل تيار العائدين من الخليج بالثروات أنجح حروب الكيان الصهيوني على مصر، في نهاية الثمانينيات تحديدًا، هُزمت مصر في معركة على أيدي أبنائها، سيطر الجلباب الخليجي على المشهد، وتكفلت أموال البترو دولار بتمزيق المنظومة القيمية لعموم المصريين، وتحول الشعب الهادئ كوادي النيل إلى أسود تهدر خلف المعبود الأسمى لزمن الكامب.. المال.
وفشلت انتفاضات المصريين المتتالية على حكام كامبد يفيد، تراجعت انتفاضة الخبز 77 أمام تقدير المؤسسة العسكرية، ولم تتمكن يناير رغم مشهد اقتحام سفارة العدو الصهيوني من اكتساب الزخم، بفعل فقدان الصوت، وسيطرة مشاهير الميدان على شاشات الفضائيات الممول سعوديًا وأمريكيًا، وربما صهيونيًا.
وفي خروج المصريين المبهر على تيارات الوهابية النجدية، التي صُنعت أساسًا في مكاتب المخابرات البريطانية، خلال انتفاضة 30/6، صنع الشعب ملحمة عظيمة، وبعث إشارات محددة: "نرفض مصر النائمة، نكره مصر المفعول بها، نريد الدور والمستقبل، وعلى استعداد لتحمل تكاليفه"، ليفاجأ أشد المتفائلين بأن النظام حينها كان يلعب من وراء الستار مع الصهاينة.
باختصار شديد.. كامب ديفيد أصل كل الشرور..