ارشيف من :نقاط على الحروف

لماذا لا يشجعون منتخب بلادهم .. ’كيف يفكر متثاقفو الناتو؟’

لماذا لا يشجعون منتخب بلادهم .. ’كيف يفكر متثاقفو الناتو؟’

شريف عاطف سليمان

نجح المنتخب الوطني المصري العربي  في التأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخه والأولى منذ 28 عاماً، بعدما نجح في الفوز على نظيره الكونغولي بهدفين لهدف، في مباراة ملحمية كان بطلها الأول محمد صلاح، المحترف في صفوف ليفربول الإنجليزي، الذي أحرز هدفي اللقاء، وكان ثاني الهدفين من ضربة جزاء في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع في شوط المباراة الثاني.

لماذا لا يشجعون منتخب بلادهم .. ’كيف يفكر متثاقفو الناتو؟’

 

ومن المتوقع أن يشهد مونديال روسيا المقبل في 2018، حضور 4 منتخبات عربية للمرة الأولى في تاريخ البطولة؛ حيث نجح المنتخب العربي السعودي في حجز أولى التذاكر العربية للمشاركة في مونديال الكرملين بعدما فاز على اليابان في آخر مباراة بتصفيات آسيا المؤهلة للمونديال، ونجح المنتخب المصري في حجز مكانه للمرة الثالثة بعدما انتزع صدارة المجموعة الخامسة في تصفيات القارة الإفريقية متفوقاً على أوغندا وغانا، فيما يحتاج كل من المنتخبين التونسي والمغربي إلى التعادل أمام كل من ليبيا وساحل العاج، على الترتيب، لحسم تأهلهما لنهائيات المونديال.

وعلى الرغم من حالة التشرذم والصراع غير المسبوقة التي يعيشها الوطن العربي، فإن الشعوب العربية حرصت على الاحتفال بتأهل –أو اقتراب تأهل- منتخباتها لنهائيات كأس العالم، متناسية ما تعانيه من ويلات الحروب وشظف المعيشة وضبابية المستقبل بل والحاضر أيضاً، رغبةً منها في تناسي ما تحياه من مآسٍ جسام ومصائب مفجعات وحوادث يشيب لها الوجدان ولو لساعاتٍ قليلة. والساعات القليلة ثوانٍ معدودات في عمر الشعوب إذا ما تعلق الأمر بالفرح والحبور، خصوصاً في هذا الجزء المظلم من العالم.
 
لكن هذه الفرحة اللحظية لم ترقْ للبعض، من المنتسبين إلى تيار ما يسمى "الربيع العربي"، فبعد انتهاء مباراة الذهاب التي جمعت المنتخب العربي السوري بنظيره الأسترالي بالتعادل، انقسم الرأي العام السوري المعارض إلى فريقين أحدهما فرح بنتيجة المباراة على اعتبار أن المنتخب السوري يمثل كل السوريين، بينما رفض الفريق الآخر نتيجة المباراة، على قاعدة أن المنتخب السوري لا يمثل إلا النظام السوري البعثي ومؤيديه، معتبرين أن مجرد تشجيع المنتخب السوري "خيانة للثورة".


تكرر الأمر في القطر العربي المصري، المنتخب تأهل إلى المونديال لأول مرة منذ 28 عاماً، ولفيف من النشطاء والمثقفين المحسوبين على ما يعرف بـ "الربيع العربي" رفضوا تشجيع منتخب بلادهم، مستهينين بفرحة السواد الأعظم من المصريين، بل وإخوتهم في العروبة أيضاً، واعتبروا خروجهم إلى الشارع للاحتفال بالنصر، ضرب من ضروب الرفاه و"الهيافة".

أحد المتنشطين أو متثاقفي الناتو –كما أحب أن أسميهم- شارك منشوراً أرفق به صورة لزحام مروري وكتب موجهاً كلامه للشعب المصري "مبروك على التأهل يا رعاع"، فلماذا رفض هذا المتنشط وذووه الاحتفال بانتصار منتخب بلادهم وتأهلها للمونديال العالمي لاول مرة منذ فترة طويلة؟!

 بعضهم يحتج بالظروف السياسية الصعبة التي يعيشها المجتمع المصري للتنصل من تشجيع منتخب بلاده، وهنا يمكن الرد بأنه إذا كنتم تكرهون مصر بسبب شظف العيش فيها، فلماذا تتحدثون عن أحوالها السياسية والاقتصادية؟ أليس من الأجدى أن تتجنبوا الشأن العام وتتركوه لمن تدعوهم بالشوفينيين؟!  ولو فعل الأوروبيون في العصور الوسطي ما تفعلونه الآن بأوطانكم، وترك كل عالمٍ بلاده بحجة أنها متخلفة ولا تصلح للعيش، فهل كانت أوروبا ستعيش في ظل هذا الازدهار والتقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق في التاريخ؟! هل سوء أحوال الأوطان أدعى إلى تخريبها وتفتيتها والتبرؤ منها، أم أدعى إلى البحث والاستقصاء لمعرفة مواطن الضعف والخلل ومواجتها بكل قوة وإرادة؟! إذاً الأمر لا يتعلق بشمولية النظام المصري.

البعض الآخر يتحجج بأن المنتخب الوطني لا يقدم أداءً مقنعاً، وبدون التطرق إلى بعض الحقائق التي تخص اللعبة، كتحول اللعبة من التكتيكات الهجومية إلى التكتيكات الدفاعية، حتى أن المواهب الكروية باتت عملة صعبة، بخلاف الحال في القرن الماضي، وأن بطولات المنتخبات فقدت رونقها ومستوياتها الفنية العالية، نظراً لضغوط الرعاة وخوف اللاعبين من الإصابة وفقدان أماكنهم الأساسية في فرقهم التي يلعبون لها، بغض النظر عن اية تفاصيل تتعلق بسوء أداء المنتخب المصري (أداء دفاعي مبالغ فيه دون الاعتماد على جمل تكتيكية، اللهم ما عدا الاعتماد على انطلاقات نجم المنتخب الأول محمد صلاح) .. فهل سوء الأداء وحده يمكن أن يبرر تخلي هؤلاء عن منتخبهم الوطني؟! أعتقد أن الإجابة لا، لأن بعض هؤلاء يشجعون أندية لا تحقق نجاحات على الدوام ومع ذلك فهم "أوفياء" لأنديتهم مهما تذبذبت النتائج وساء الأداء، حتى أن بعضهم يفضل فرقه الأوروبية على فرق بلاده المحلية، ومنتخب بلاده أصلاً. إذاً الأمر لا يتعلق بطريقة لعب المنتخب.
 
وآخرون يتحججون بأن النصر سينسب للرئيس وتوجيهات الرئيس، ولهذا يتمنون الخسارة للمنتخب حتى يحزن الرئيس ومؤيدوه. وهذا أغرب ما يمكن أن تسمعه من هؤلاء. طبيب يتمنى أن يموت مريض على يد غريمه اللدود، حتى لا يُنسب إنقاذ المريض له! ولن أضيف شيئاً آخر.

إذاً الأمر لا يتعلق بكراهيتهم للرئيس. فلماذا لا يشجع هؤلاء منتخبهم الوطني؟!

أحسب أن الهجوم على المنتخبات الوطنية العربية، هو جزء لا يتجزأ من مؤامرة تفتيت المفتت "إعادة تفتيت دول سايكس بيكو" المعروفة الآن بثورات الربيع العربي، فبعض هؤلاء على علاقة وثيقة بالاستعمار الأورو أميريكي أو أحد أدواتها بالمنطقة، كالاشتغال بالعمل الحقوقي المتمول أوروأمريكيا، والمعروف بمنظمات المجتمع المدني، والبعض الآخر متأثر بمكتسبات الحضارة الغربية، ومظومتها القيمية والانجرار وراء المفاهيم التي أرستها –زوراً وبهتاناً- كالحريات والديموقراطية والمجتمع المدني وحق تقرير المصير، وهي مفاهيم دائماً ما ارتبطت بمصالح بعض الطبقات الأوروبية فقط دون سواها، خصوصاً إذا تعلق الحديث بدول العالم الثالث، وهنا مثلاً يمكننا الدخول على "جوجل" والبحث عن جرائم الأوروأمريكى في هذه الدول لنهتدي سوياً إلى قيمه التي أنقذت العالم من ظلمات القوميات الشوفينية لتعوضه بالعولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة متحابة!! (ولنا في توريخوس البنمي، واللندي التشيلي، وسوكارنو الإندونيسي، والقذافي الليبي خير مثال علي خيرية العولمة وفضلها على العالمين !! .

المطلوب أن يتحول الوطن إلى مسرح كوميدي، والوطنيون إلى "أراجوزات"، والكلام عن الوطنية إلى نكات سخيفة، حتى يخلو الشارع السياسي للربيعيين العرب ومتثاقفي الناتو، ليتمكنوا من تعويم تقسيم بلادهم. كيف؟!
 يخرس الوطنيون خشية تعرضهم لسهام التبكيت والتنكيت من متثاقفي الناتو، وعندما تتعرض البلاد لأزمة (كتعرضها للغزو العسكري) يكون الشارع السياسي خالياً من الأصوات الوطنية، ومليئاً بأصوات أنصار الناتو، فيفقد المجتمع تماسكه ويتحلل نسيجه الوطني، ويتفرق اصطفافه الوطني (بدلاً من الاصطفاف والتصدي للغزاة)، ويروج الناتويون لمقولة "الطغاة يجلبون الغزاة" على اعتبار أنه لا فرق بين المستبدين والمحتلين، فيتساوى صدام حسين بجورج بوش، الجيش الليبي بقوات الناتو، الجيش العربي السوري بكتائب الأوروأميريكي كالجيش الحر والنصرة وداعش (المقال لا يتسع لحصر عدد الكتائب الإسلاموية الحريصة على تحرير سوريا من ديكتاتورية البعث)، وأخيراً الجيش الوطني العربي المصري بقوات الاحتلال الصهيوني.

الأمر لن يتوقف عند مساواة الاستبداد الداخلي بالاستعمار الخارجي، فسنجد هؤلاء يفضلون استعمار الخارج على قوات جيشهم، أولاً لانتشار حروب الوكالة (لتخريب سوريا أسسوا الجيش الحر، لتمرير تفتيت الدولة السورية وسحق جيشها العربي لولا تدخل ايران وحزب الله وسوريا)، وثانياً الرهان على الناتو الذي سيحقق دول الرفاه والديموقراطية في بلادهم كما حققها الغرب لبلادهم (من وجهة نظرهم طبعاً)، المنكوبة بالديكتاتورية (وفيها إيه لما نجرب .. ما كله احتلال، يعني هو في احتلال زي اللي احنا فيه)، ثالثاً الادعاء بأن العولمة جعلت العالم قريةً صغيرة وبهذا يكون أنصار الناتو قد رفعوا سكين "الشوفينية" على رقاب الوطنيين.

بعدها يدخل الناتو بثواره ومتثاقفيه ومستعربيه ويتم سحق الدولة وجيشها (أي دولة عربية)، وبعد عشر سنوات من الاحتلال واستنزاف ثروات الدولة، يتكرم علينا الاحتلال بالخروج من بلادنا، بعدما ترك لنا درعا وسيفا وأشياء أخري (دستور صوري، ومجلس نواب منزوع الصلاحيات، وحكومة تكنوقراط لا طائل منها، ورئيس مدني لا حول له ولا قوة، وقوات مسلحة مهلهلة مخترقة من كل عواصم العالم، لزوم الحرب على الإرهاب)، عندها يكافئ الاحتلال أكثر العناصر إخلاصاً، عن طريق اقتطاع جزء من الدولة وتسليمه إياه، وبالطبع لن يجرؤ أحد على القول بعدم شرعية هذا الانفصال "فين حق تقرير المصير" "النوبيين طول عمرهم مضطهدين" "سيناء طول عمرها تحت القصف" "صدام ضرب الأكراد بالكيماوي" "سيبوا الناس تعيش بقى .. وهو في عروبة أصلاً". وبعدها يُفتت المفتت، وتتحول البلاد العربية إلى كانتونات بدائية تحت دعاوي "تقرير المصير".. وبالطبع لن يُقرر الانفصاليون مصير أمريكا وأوروبا، لإنهم سيقابلون بمنتهي الشدة والعنف، وطبعاً الناتويون والمتأنجزون والنشطاء العرب وغير الغرب سيلوحون بوجوههم عما يسمونه بالقمع والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، ولن يُقرر مصير أي أقلية أوروبية، لأن التخريب والدمار لنا، والرفاه والتقدم لهم.

هذه عقيدتهم، وهذا ديدنهم وإن سألتهم بعد كل هذا الخراب، ليقولن أضاعنا الاستبداد والظلم واللامؤسسية، وماذا عن قوات الاحتلال التي سعت في أرضكم فسادا؟! بالطبع فإن الاحتلال منزه عن الخطأ أو النقد، وإن انتقدوه، فإنه يكون نقداً ثانوياً تافهاً لا يتناسب مع عظم الخراب الذي سببوه، لكن المصيبة الكبري في الاستبداد الذي جلب الاستعمار، ونحن لا نعرف عن توريخوس أنه كان مستبدا حتى تقوم المخابرات المركزية الأمريكية بتفجير طائرته، وما كان دخولها إلى ليبيا من أجل اقامة الديكتاتورية، فالرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك اعترف بتدبير "الثورة الليبية"، وما كان الانقلاب على اللندي في تشيلي بأعنف طغاة القرن الماضي "بينوشيه" لتأسيس الديموقراطية، والحديث يطول عن تكذيب أسطورة تدخل الأورو أمريكي لتطبيق الديموقراطية في دول العالم الثالث.

إذاً فالنظام العالمي لا يستهدف إقامة الديموقراطية، لكنه حريص كل الحرص على كل آبار البترول وحقول الغاز ومختلف ثروات ما يراه "دول العالم الثالث"، وبالتالي فهذا النظام وكل منظومته القيمية وأدواته ووكلائه بالمنطقة يجب أن يكون عدونا الأول، وفي هذا الإطار يتحدد موقفنا من أنظمتنا العربية، من قاوم ومن انبطح للأوروأمريكي؟! من مول المقاومة ومن باع أرضه لمن تحاربه المقاومة؟! من رفض تسليم اقتصاد بلاده للناهب الدولي ومن اعتبر أن الحصول على قروض النقد الدولي انجازاً لا مثيل له؟!

ولا مندوحة من الإشارة إلى أن أي حراك ثوري يستهدف التغيير السياسي والاجتماعي على المسطرة المعولمة لن يؤدي إلى أي تغيير جوهري، اللهم إلا تغيير وكيل للناتو بوكيل آخر .. إلخ

2017-10-11