ارشيف من :آراء وتحليلات
إقرار الموازنة خطوة على الطريق الصحيح: المطلوب موازنة شفافة بكل المقاييس
يلتئم مجلس النواب على مدى ثلاثة أيام اعتباراً من يوم غد لبحث وإقرار موازنة العام 2017، في خطوة مهمة يشهدها الوضع المالي في لبنان منذ 12 سنة، حيث عجزت الحكومات السابقة أو تلكأت عن إعداد موازنات عامة تحاكي الآليات المطلوبة لانتظام السياسة المالية، ولذلك تحملت الخزينة خلال السنوات الماضية أخطاء وثغرات لا تعد ولا تحصى نتيجة غياب هذه الموازنات، حيث فقدت التوازن بين الايرادات والانفاق، ولو ضمن الحد الادنى.
ولهذا، يعتبر أحد الخبراء الاقتصاديين أنّ إقرار الموازنة من قبل مجلس النواب بعد أن كانت أعدتها وزارة المالية، ودرستها الحكومة ولجنة المال والموازنة النيابية خطوة لها مدلولات ايجابية عديدة على وضع الخزينة، وعلى المالية العامة للدولة، يمكن تلخيص أبرزها بالآتي:
أولاً: تؤدي الى الانتظام ما بين الانفاق والواردات، بحيث لا يتجاوز الانفاق ما هو مقرر في الموازنة بعكس ما كان يحصل في السنوات الماضية من إنفاق عشوائي، مقابل العمل من أجل عدم انخفاض الايرادات عما هو محدد، على الرغم من الفارق الكبير ما بين الإنفاق والواردات، حيث يبلغ الانفاق 24701 مليار ليرة في مقابل ايرادات لا تزيد عن 16858 مليار ليرة، اي بعجز يبلغ 7843 ليرة، واذا ما احتسبنا التخفيضات التي أدخلتها لجنة المال على الانفاق، والتي تبلغ نحو ألف مليار ليرة يكون العجز 6843 مليار ليرة.
مجلس النواب
ثانياً: يؤدي إقرار الموازنة من منظار المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية الى إعطاء إشارات إيجابية، من ضمنها التصنيف المالي.
ثالثا: إن اقرار الموازنة يفتح المجال أمام تخفيض العجز في الناتج الوطني مقابل تعزيز فرص الاستثمار وتحريك العجلة الاقتصادية، خصوصاً عندما يتم رفع الانفاق على المشاريع، يضاف الى ذلك أن هذا التخفيض في العجز من خلال الحد من النفقات غير المجدية ـ حوالى الالف مليار ـ في معظمها كانت تذهب لجمعيات وهمية ونفقات نثرية غير واضحة وهو الأمر الذي يساهم في تراجع العجز في الموازنة.
الا أن الخبير الاقتصادي المذكور يلاحظ انه كان بالإمكان أن تكون الموازنة أفضل ما جرى التوصل اليه،
أو على الأقل لو جرى اعتماد خطوات أكثر جرأة، وهو الأمر الذي يفترض اعتماده في موازنة العام المقبل، ومن هذه الخطوات التي بالإمكان اللجوء اليها الآتي:
1ـ وضع آليات واضحة ومحددة لكيفية معالجة منافذ الهدر والفساد والتهرب الضريبي وتهريب البضائع وما الى ذلك من خطوات مشابهة، فالعديد من السياسيين والنواب والوزراء والخبراء كشفوا عن وجود هدر وتهرب ضريبي وتهريب للبضائع يتجاوز مدخولها السنوي مليارات الدولارات، وفي مقدمة هذه الخطوات المطلوبة ما أكدت عليه كتلة الوفاء للمقاومة، وبالأخص النائب حسن فضل الله، من حيث وجود هدر وفساد وتهرب ضريبي و"سمسرات" يمكن أن توفر للخزينة مئات مليارات الليرات اللبنانية في حال جرى الأخذ بها. ولهذا يقول الخبير الاقتصادي "إنه من الضروري أن تلجأ الحكومة في موازنة العام المقبل الى اتخاذ الخطوات المطلوبة لمعالجة كمية الهدر والفساد والتهرب الضريبي والسمسرات التي تضج بها مؤسسات الدولة ومنها على سبيل المثال ما يدفع من مئات المليارات من الليرات اللبنانية لمدارس مجانية وهمية أو من أجل استئجار مبان حكومية وانفاقات لجمعيات وهمية ايضا، عدا عن ما يحصل في عمليات التلزيم من "سمسرات"".
2ـ أن يتم العمل لزيادة النفقات الاستثمارية لأن من شأن ذلك تحريك الاقتصاد وإيجاد فرص عمل، شرط أن يتم الالتزام بالشفافية والأطر القانونية التي تستوجبها مشاريع الاستثمار.
3ـ أن يتم وضع رؤية اقتصادية واجتماعية واضحة ومن ضمنها إصلاحات بنيوية وضرائب على قطاعات استثمارية كبرى تابعة للقطاع الخاص والتي تجني سنوياً مئات ملايين الدولارات وبينها معفي من الضرائب مثل "سوليدير" وبعضها الأخرى يدفع نسب بسيطة أو يلجأ الى التهرب من دفع الموجات الفعلية الترتبة عليه.
4 ـ أن يتحدد سقف واضح حول عجز الموازنة والفوائد المتراكمة على الدين العام، بما يؤدي الى معرفة سقف هذا الدين والعمل ليس لزيادته سنويا بل لتخفيض هذا الدين تدريجيا، خصوصا أن هناك عدم وضوح حول أرقام الدين، فالدولة تتحدث عن 81 مليار دولار، بينما هناك من يتحدث عن 107 مليار دولار، مع العلم أن نسبة العجز لهذا العام تبلغ 9,5 من الناتج المحلي.
من كل ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي أنه رغم الايجابيات العديدة التي تسجل للحكومة ومجلس النواب جراء إقرار الموازنة، فمن المهم والضروري أن يجري العمل في موازنة العام المقبل لكي تكون أكثر شفافية بكل المقاييس وأول هذه المقاييس وقف الهدر والفساد والتهرب الضريبي وما يحصل من "سمسرات" في عمليات التلزيم.